سأظلُّ أردد دائما مقولاتٍ لأدباء وفلاسفة، تشير إلى دور الفنون في إنعاش الأمم عاطفيا ونضاليا،
قال الفيلسوف دانيال أوكنيل: دعني أكتبُ أغاني الشعب، ولا أُبالي بمن يضعُ قوانينَهُ"
وقال آخرون: أعطني مسرحا، أعطك شعبا واعيا.
إن إسدال الستار على الفنون الجميلة، في بلادنا مؤامرة خطيرة، وليس مبالغةً حين أعتبر غياب الفنون جريمة في حق الشعوب والأمم الطامحة للحياة .
كما أن غياب الفنون الجميلة من مناهج التعليم، هو السببُ الرئيس في كره المتعلمين لمدارسهم ومدرسيهم، فالفنون هي مُقبِّلات ، تفتح شهية المتعلمين لتلقي العلوم الجامدة.
حتى أفلاطون قبل التأريخ بثلاثة قرون، فإنه حين صمم جمهوريته، جعل الموسيقى ركنا رئيسا، فهي التي تهذب الجنود، وتمنع أن يتحول التدريبُ العسكريُ إلى قسوة وعنف وانتقام.
أدركتْ إسرائيل أهميةَ الفنون في صياغة العقيدة الصهيونية، لذا فإنها جذبتْ الفنانين والفنانات، ودفعتهم ليلحنوا أغاني شعرائهم، ولا سيما أشعار الحنين إلى القدس، مما جذبَ مهاجرين كثيرين بالفنون.
وفي المقابل ركَّزتْ إسرائيلُ اهتمامها على مطاردة الشعراء والكتاب والأدباء الفلسطينيين، لأنهم كانوا بالنسبة لها أعداءً من الدرجة الأولى، فأبعدت كثيرين من شعرائنا الفلسطينيين، وعلى رأسهم محمود درويش، ولم تغمض عينها عن الفنون التي تعزز النضال، فما أزال أذكر مقابلة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، مع راديو الجيش ، حين وصفَ مسؤول في وزارة الرياضة والثقافة، المطرب اللبناني الرائع، مارسيل خليفة، الذي غنَّى بعض قصائد محمود درويش وقال عنه:
إنه شيوعي ولا سامي!
ثم توالت الاتهامات على الفنان مارسيل خليفة، وطارده متعصبون من بني جلدته العرب، واتهموه بالهرطقة والكفر ،لأنه غنى قصيدة محمود درويش( ريتا والبندقية)( أنا يوسف يا أبي).
ولم يقتصر الأمرُ على ذلك، بل تابعه عملاء المؤامرة عندما ألف أوبريت في البحرين عام 2003 واتهمه أعضاء البرلمان بأنه يدعو للفجور، فرقصات الأوبريت فيها إيحاءات جنسية!!
ويرجعُ سببُ استعادتي للقطات السابقة في حياة لفنان الرائع مارسيل خليفة، إلى أنني قرأتُ أسماء أشهر خمسين شخصية لا سامية لعام 2013 نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت بمناسبة السنة الجديدة 2014 ، وكان في مقدمة اللاساميين( أي أعداء اليبهود فقط)، اسم الفنانة نجوى كرم أيضا، وجاءت في ترتيب اللاساميين بعد آية الله خوميني ، ورجب طيب أردوغان، وريتشارد فولك وحزب جوبك الهنغاري اليميني،واتحاد الكنائس في كندا .
يعود السببُ في اعتبارها فنانة لا سامية، لأنها ضمن لجنة التحكيم في برنامج أرب غوت تالنت، قد وضعت النازي هتلر كأبرز "خطيب مؤثِّر في العالم" وفُسِّر قولها على أساس أنها تميل إلى هتلر.
نعم إن نجوى كرم مثل مارسيل خليفة فنانة كفؤه، وهي مناضلة فقد عملتْ في سلك التدريس قبل الغناء، وهي صاحبة شعار جميل يقول:" الفن هو أقوى الرسائل ضد الظلم والقهر" واختارتها الأمم المتحدة سفيرةً للسلام.
كما أنها عضو فعال في مؤسسات لمساعدة العجزة ، من كبار السن، وهي أيضا تقدم مِنحا دراسية للطلاب، وهي نصيرٌ للقضية الفلسطينية، وهذه كلها هي الأسباب، وراء إلصاق تهمة اللاسامية لها.
لم أسمع أي احتجاج في أية وسيلة إعلامية حتى الآن، ولم أعثر على مناصرين لهذه الفنانة الرائعة، ولمارسيل خليفة ولغيرهم، حتى اتحادات الأدباء والكتاب والفنانين، ما تزال تغُط في نومٍ عميق!!