قدمت المخرجة التونسية الشابة كوثر بن هنية فيلمها الروائي والوثائقي الطويل الأول "شلاط تونس" من كتابتها وإنتاج تونسي فرنسي كندي اماراتي مشترك.
وفي "شلاط تونس" تنطلق بن هنية من واقعة "الشلاط" وهو شخص ملثم غامض يقوم بجرح النساء في ظهورهن عقابا لهن على ارتداء ملابس جريئة ومتحررة تبرز مفاتنهن.
ولفظ "التشليط" في العامية التونسية يعني (الجرح السطحي بمشرط أو آلة حادة).
وتدور احداث الشريط بتونس العاصمة صيف عام 2003 اين يتجوّل رجل مجهول على دراجته في شوارعها، يُنادونه "الشلاّط" ويحمل شفرة يضرب فيها أرداف النساء الجميلات والمغريات اللاتي يمشين على أرصفة المدينة.
وتحول "الشلاّط" الى شخصية غامضة في تونس تحيط به هالة من الرعب والاشاعات، الكلّ يتحدّثُ عنه لكن ما من أحدٍ قد رآه.
وافادت كوثر المولودة لأب من كتّاب القصة في تونس أن "شلاّط تونس" فيلم روائي ووثائقي مستوحى من واقعة شهدتها العاصمة التونسية سنة 2003 تتمثل في اعتداء شاب - أو اكثر- مجهول الهوية على نساء متبرجات أثناء مرورهن في الطريق العام.
وخاضت المخرجة التونسية مغامرة خطرة في تصوير وإنجاز فيلم "شلاط تونس".
وتفتح المخرجة جبهة خطرة في تعقبها لضحايا الشلاط حيث مرت عشر سنوات على الحادثة ومن الصعب في مجتمع تحكمه أعراف الحشمة والحياء ان تجاهر إمرأة بما حدث لها ... ولكن كاميرا "شلاط تونس" تنجح مثل صحافي استقصائي متمكن من إنتزاع شهادات حية لنساء عشن احداث 2003.
وحول مزجها بين الصيغتين الروائية والوثائقية تقول كوثر بن هنية: "هناك حركة مد وجزر دائمة بين الروائي والواقعي في فيلمي".
وتحدثت كوثر عن حيثيات إنجاز الفيلم ومراحل التصوير ورسائله قائلة: "هناك من لا يزال يشجع هذه الشخصية وهي الـ"شلاط" الذي يؤذي النساء ويتحرش بهن لا لشيء إنما لغرض اركاع واذلال المرأة وهنا أحببت خوض هذه المغامرة الجدية فمن لا يزال يشجع هذه الشخصية هو لا يقل عنفاً منها نفسياً ومادياً ومعنوياً".
واضافت المخرجة التونسية "المرأة العربية إلى يومنا هذا لم تحصل على كامل حقوقها من المساواة مع الرجل ونبذ العنف ضدها وسن قوانين صارمة لحمايتها".
وتنتقل بن هنية إلى الضفة الأخرى لتستمع إلى الرجل- الذكر لتفهم لماذا يعتدي على إمرأة لا ذنب لها سوى انها خرجت إلى الشارع بملابس يراها مغرية ومثيرة.
ولا تفرق كوثر في فيلمها بين ما هو خيالي وما هو غير خيالي، في اللقطة الاولى نرى الكاميرا مثبتة في جانب دراجة بخارية يقودها شخص بسرعة كبيرة ثم يمد يده "لتشليط" احداهن، انها اعادة تمثيل لواقعة التشليط ولكنها عبر الزاوية البصرية تبدو وكأنها تصوير للواقعة الحقيقية.
ويلي المشهد مادة وثائقية اخبارية من زمن الحادث 2003 عن اهتمام رئيس الجمهورية التونسية السابق زين العابدين بن علي بواقعة الشلاط واصداره تعليمات بضرورة القبض وعليه وسجنه ليعود الأمان للشارع التونسي.
ويرى ناقدون ان فيلم "شلاط تونس" يعكس بذور التطرف الديني في تونس الذي انغرست في البلاد المعروفة باعتدالها وتسامحها وانفتاحها على الاخر ولكن تم اخماد لهيبها على يد النظام السابق حيث نجح الرئيس التونسي "الهارب" زين العابدين بن علي رغم عيوبه وزلاته الكثيرة اثناء الحكم في اجتثاث بذور التشدد الديني.
الا ان التطرف الديني والفكري سرعان ما انتشر واستفحل بعد ثورة الياسمين وصعود النهضة الاسلامية الى الحكم.
وتكررت في تونس بعد الثورة اعتداءات لفظية وجسدية من طرف تيارات متشددة على نساء سافرات.
ويهاجم اصحاب الفكر الضيق والدين المتعصب خروج المراة التونسية الى الشارع بملابس عصرية ويعتبرونها عارا واثارة للفتنة، ويدعون الى ارتداء الحجاب والنقاب باعتباره لباسا شرعيا وواجبا مقدسا.
ويبدو النقاب بالنسبة للتونسيين الذين يعتنقون المذهب المالكي المستنير والمعتدل "عباءة سوداء" تغطي كامل جسد المرأة و"لباسا دخيلا على تقاليدهم" تم "إسقاطه على المجتمع عبر الفضائيات الدينية والجماعات السلفية".
وتناضل الحركات النسوية في تونس بشراسة ضد فرض السلفيين النقاب على المرأة التونسية محذرة من "خطورة تداعيات النقاب على طمس هوية المجتمع".
أما الجماعات السلفية فإنها "المدافع الأول عن النقاب وتطالب بقوة ارتداءه في الجامعات بل تسعى لفرضه على أساس أنه واجب تفرضه الشريعة الإسلامية".