خلال أول فترتين من حكم بوتين رئيساً للجمهورية، كانت الزوجة التي لا تحب الأضواء، تتموضع للصور بدافع الواجب وتستضيف الزيارات الرسمية لكن تبقى في الخفاء إلى حد كبير. وبحلول موعد ولايته الثالثة كانت غير مرئية تقريباً. وبعد عام واحد، اختفت.
في السادس من حزيران (يونيو) ذهبت لودميلا بوتينا (55 عاماً) إلى التلفزيون الرسمي الروسي مع الرئيس فلاديمير بوتين لإعلان مشترك بشأن طلاقهما المقبل. كانت الابتسامة على وجهها سعيدة كأي عروس في يوم عرسها. قالت السيدة بوتين: "لقد كان حقاً قراراً مشتركاً. إنه طلاق متحضر".
خلال السنوات الـ 14 التي كانت فيها زوجة لرئيس الوزراء، ومن ثم الرئيس، بقيت بوتينا في الظل إلى حد كبير، وأثار غيابها الصحف الشعبية التي كانت تقول إما أن زوجها خبأها بعيداً في الدير، على نحو ما كان يفعل بيتر العظيم وإيفان الرهيب، أو أنه تركها من أجل إلينا كاباييفا، النائبة في مجلس الدوما ولاعبة الجمباز الأولمبية السابقة التي تصغره بـ 25 عاماً.
وعلى الدوام كان الكرملين ينفي بقوة مثل هذه الإشاعات. وكذلك أولئك الذين يعرفون بوتينا، الذين يقولون إنها صارمة جداً وذات إرادة قوية أكثر مما يتصور كثيرون أنها موجودة لديها. وقال شخص قريب من الرئيس، طلب عدم ذكر اسمه، إن زواج بوتين ظل في حالة تداع وانهيار استمرت خمس إلى سبع سنوات، بسبب جدول أعمال بوتين وعدم ارتياح بوتينا للدعاية المطلوبة للسيدة الأولى.
ووفقاً للودميلا ناروسوفا، أرملة معلم بوتين الأول، السيدة الأولى هي التي أرادت الانفصال. وقالت ناروسوفا لمحطة تلفزيون إخبارية روسية في تشرين الثاني (نوفمبر): "أنا متأكدة تماماً أنها كانت مبادرة من لودميلا أليكساندروفنا. لم يكن الأمر سهلاً على فلاديمير فلاديميروفيتش. لقد كانت مبادرتها وتم احترام ذلك". هذه الصورة الحازمة مناسبة لكيفية تذكُّر بوتينا في موطنها الأصلي، مقاطعة كالينينجراد.
ولدت بوتينا لوالد كان يعمل في مصنع وأم كانت أمينة صندوق، ونشأت في محيط متواضع، لكنها كانت طالبة ذكية وطموحة. قالت إحدى معلماتها السابقات: "كانت حيوية واجتماعية، ودرست بجد وكانت كفؤة جداً. لقد كانت تحلم بأن تصبح ممثلة". وبعد أن أكملت الدراسة، عملت بوتينا في مصنع آلات قبل أن تصبح مضيفة في شركة طيران إيروفلوت.
وكان أول لقاء لها مع بوتين في حفلة موسيقية في ليننجراد في بداية الثمانينيات. ولم تكن علاقتهما سهلة أبداً. فقد أخبرت أوليج بلوتسكي، كاتب سيرة الرئيس: "القول إن فلاديمير فلاديميروفيتش كان يمتحنني طوال حياتنا معاً أمر صحيح تماماً. كنت دائماً أشعر بأنه يراقبني والقرارات التي أتخذها (...) ليرى ما إذا كنت سأصمد أمام أي اختبار". وقالت إنها لم تكتشف أنه كان يعمل في المخابرات السوفياتية إلا بعد 18 شهراً من علاقتهما.
وتزوجا في تموز (يوليو) عام 1983. وأخبرت بلوتسكي قولها: "هل تعرف كيف تقابل أحداً ما وتقع في حبه فوراً؟ حسناً، هذا لم يحصل. لقد اعتدت عليه خطوة خطوة، ووقعت في حبه". وفي عام 1986 تخرجت بوتينا من جامعة ليننجراد الحكومية بتخصص علم فقه اللغة. وكانت تتقن الإسبانية والفرنسية والألمانية، واكتسبت الطلاقة في النهاية خلال مهمة زوجها ضابطا للمخابرات الروسية في دريسدين. وخلال العيش هناك، تُركت بوتينا وحدها إلى حد كبير مع طفلتيهما، ماشا وكاتيا.
وعندما تم انتخاب زوجها رئيساً عام 2000، كان على بوتينا الاختيار: إما أن تأخذ دوراً فعّالاً بوصفها سيدة روسيا الأولى، كما تفعل قريناتها في الغرب، أو تُبقي على الوجود السلبي لأسلافها السوفيات. واختارت الخيار الأخير إلى حد كبير. ويقول أحد المستشارين المختصين برسم الصورة السياسية الذي عمل معها بعد انتخاب زوجها: "تصرفت زوجتا بريجنيف وخروتشوف بشكل متواضع وبقيتا في الظل. بينما مثلت رايسا جورباتشيفا، زوجة ميخائيل جورباتشوف، انفصالاً عن هذا التقليد، إلا أن كثيرا من الناس لم يكونوا سعداء بذلك".
لكن بوتينا لم تكن خاملة. وبحسب المستشار، السيدة الأولى "عليها دائماً أن تبتسم، وتشارك في المناسبات الرسمية، تبدو دائماً بمظهر لائق". منذ الطلاق، لم يتم رصد بوتينا علناً. وأولئك الذين يعرفونها يتخيلون أنها تحاول العودة للحياة الطبيعية التي حاولت أن تعيشها دائماً، حتى في الكرملين. ويذكر أحد معارفها أنه التقى صدفة ببوتينا، وكانت لا تزال متزوجة من الرئيس في ذلك الوقت، في رحلة تجارية بين موسكو وأوروبا. وكانت السيدة الأولى متنكرة بنظارات داكنة وكانت تجلس في الدرجة السياحية.