الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

الأمهات لايمتن أبداً !

  • 1/2
  • 2/2

الكاتبة الصحفية: أسماء محمد مصطفى - العراق- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

ضج البيت والسرير بنحيب الطفلة التي كان عليها أن تنام للمرة الأولى في حياتها  من غير أن يكون صوت أمها آخر ماتسمعه ، وهي تبتسم لها وكفها الناعم يلامس خدها الطري كما تفعل عادة .
في تلك الليلة ، قفزت من سريرها نحو صورة معلقة على الحائط ، تجمع بينها وبين أمها .. ما أن حدقت فيها حتى تحلق حولها خيال وجه أمها كما شاهدته صباحاً على سرير في مستشفى الطوارئ ، متأثراً بحروق السيارة المفخخة التي اخترقت سلام السوق . شعرت الطفلة بأنّ أمها كذبت عليها يوم قالت لها ،  إن الأمهات لايمتن أبداً .
قالت لها ذلك ، يوم ذعرت الطفلة من ارتداد أبواب البيت وشبابيكه بعصف انفجار مدو ٍ تسبب في ارتفاع دخان كبير حجب  ضوء النهار بعض الوقت . فكومت نفسها في حضن أمها ، وهي ترتعش متسائلة هل سأموت ؟
سحبتها الأم الى صدرها ، قائلة لها اطمئني . الموت لايزور الملائكة .
ـ ولكن ياماما ، انظري الى السماء ، صارت مظلمة . هل ماتت الشمس ؟
ـ لا ، انظري ثانية ، هاهو الظلام يختفي ، لتظهر الشمس مرة أخرى .
ـ كنت أظن أن الانفجار قتل الشمس .
ـ  الشمس لاتموت .
ـ لكنني أخاف عليك أن تموتي حين تخرجين الى السوق او العمل ، وأردفت تقول ، أرجوك ماما لاتكبري وتصيري عجوزاً ، وتموتي !
طمأنتها الأم مؤكدة لها أنّ الموت  يخشى الأمهات ، وأنها لن تشيخ ، لتظل معها الى الأبد .
قالت الطفلة ، وهي تضحك باطمئنان : إذن ، أنت ِ كالشمس ياماما  .
أنهال على ذاكرة الطفلة حديث ذلك اليوم ، وهي  تمرر أصابعها على وجه أمها وتلمس الجلد المتأثر والمتجعد بفعل الحرق بالرغم من محاولة أبيها إبعادها عنها ، وهو يظهر علامات التأسف لأنه رضخ لإلحاح ابنته لاصطحابها للمستشفى  بل إنها ركضت وراءه نحو السوق حين حدث الانفجار ، وهو يعلم أنّ المكان وحال زوجته لايناسبان طفلا ..
نظرت الطفلة الى وجه أمها  وحاولت أن تلمسه  لولا أنّ أباها منعها قائلا لها إن كل شيء سيكون بخير . نظرت الطفلة اليه بحنق ، مشككة .. ألا تكفي كذبة واحدة ؟!
قربت أصابعها من إحدى عيني أمها ، وحاولت فتحها ، بينما الأب يحاول منعها ، وصوت الممرضة ينهيها عن فعل ذلك .
تهيأ لها بأنّ الأم تريد الاعتذار لها عن كذبتها ، لكن الاعتذار لن يشفي خيبة طفل بانتصار هاجس موت أمها وشيخوختها المبكرة على حلم بقائهما معاً .
دفع الخوف بالطفلة الى الصراخ بوجه أمها ، بهستيرية حتى فقد جسدها توازنه تماما فسقطت مسجاة على الأرض .
حين فتحت عينيها مجددا ، كانت مستلقية على سريرها في البيت ، فعاودت البكاء والصراخ حتى أعياها التعب  .
في تلك الليلة ، وبينما كان وجه الأم المتأثر بالحروق يستمر في تحليقه حول خيال الطفلة ، بقيت تتمعن الوجه الذي أشع جمالا وشبابا في الصورة ، حتى إذا مابدأ النعاس والإجهاد يغلبان عيني الطفلة المتورمتين سحبت قدميها بتثاقل الى سريرها ، واستلقت . عادت لتنظر الى الصورة بين رمشة وأخرى ..
ابتسم لها  وجه الأم عبر الصورة ، وفي لحظة  خاطفة  تركت الأم  مكانها في الصورة  وجلست  على  حافة  السرير ، ووجهها مازال يبتسم  ويومئ للطفلة  بالحب ، وأصابعها تداعب خصلات شعرها الى أن تستسلم للنوم  ، حتى إذا ماغرقت الطفلة في نوم عميق ، عادت الأم الى مكانها في الصورة .
في الصباح ، حين فتحت الطفلة عينيها وجهت نظراتها الى الصورة ، فوجدت خيوط الشمس ، بعد انحدارها الى الغرفة ، تلمع على وجه الأم ، النضر والمبتسم .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى