الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

نَـمَـــر، وأخواتهــــــا في لغة الجذور

  • 1/2
  • 2/2

الدكتور محمد فتحي راشد الحريري - الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

معنى نمر في لسان العرب ( ن م ر ): النُّمْرَةُ النُّكْتَةُ من أَيِّ لونٍ كان، والأَنْمَرُ الذي فيه نُمْرَةٌ بيضاء وأُخرى سوداء والأُنثى نَمْراءُ والنَّمِرُ والنِّمْرُ ضربٌ من السباع أَخْبَثُ من الأَسد سمي بذلك لنُمَرٍ فيه وذلك أَنه من أَلوان مختلفة والأُنثى نَمِرَةٌ والجمع أَنْمُرٌ وأَنْمارٌ ونُمُرٌ ونُمْرٌ ونُمُورٌ ونِمارٌ وأَكثر كلام العرب نُمْرٌ وفي الحديث نهى عن ركوب النِّمارِ، وفي رواية النُّمُورِ أَي جلودِ النُّمورِ وهي السباع المعروفة واحدها نَمِرٌ وإِنما نهى عن استعمالها لما فيها من الزينة والخُيَلاء.
قلنا: ولعلَّ كلمة ( النمرة) في اللغات اللاتينية بمعنى العلامة، وخاصة التجارية، إنما هي مأخوذة من اللفظ العربي الذي نتحدث فيه، وهناك كثير من الكلمات العربية تمَّ تداولها في لغات البلدان المجاورة، يوم كان الكون كلُّـه يتباهى بالتحدّث بالعربيّـة.
والنَّمِرَةُ بُرْدَةٌ من صوف يلبسها الأَعراب وفي الحديث فجاءه قوم مُجْتابي النِّمار، كلُّ شَمْلَةٍ مُخَطَّطَةٍ من مآزِرِ الأَعراب فهي نَمِرَةٌ وجمعها نِمارٌ، كأَنها أُخذت من لون النَّمِر، لما فيها من السواد والبياض، وهي من الصفات الغالبة.
أَراد أَنه جاءه قوم لابسي أُزُرٍ مخططة من صوف.
والنَّمِرُ والنَّمِيرُ كلاهما الماء الزَّاكي ، عذباً كان أَو غير عذب، قال الأَصمعي: النَّمِير النامي، ويقصد المعجميون بالنامي ما نعنيه نحن اليوم بالماء الجاري، وقيل: ماء نَمِيرٌ أَي ناجِعٌ، قلنا: ( والناجع ليس بالضرورة أن يكون عذباً فالناجع ما استمرأته النفس، والنُّجْعةُ عند العرب: المَذْهَبُ في طلَبِ الكلإِ في موضعه.
والبادِيةُ تُحْضَرُ مَحاضِرُها عند هَيْجِ العُشْبِ ونَقْصِ الخُرَفِ وفَناءِ ماء السماء في الغُدْرانِ، فلا يزالون حاضرة يشربون الماء العِدَّ حتى يقع ربِيعٌ بالأَرض، خَرَفِيّاً كان أَو شَتِيّاً، فإِذا وقع الربيع تَوَزَّعَتْهُمُ النُّجَعُ وتتبعوا مَساقِطَ الغيث يَرْعَوْنَ الكَلأَ والعُشْبَ، إِذا أَعْشَبَتِ البِلادُ، ويشربون الكَرَعَ، وهو ماءُ السماءِ، فلا يزالون في النُّجَعِ إِلى أَن يَهيجَ العُشْبُ من عام قابل وتَنِشَّ الغُدْرانُ، فَيَرْجِعون إِلى مَحاضِرهم على أَعدادِ المياه) ، وأَنشد ابن الأَعرابي:
قد جَعَلَتْ والحمدُ للهِ تَفرْ *** من ماء عِدٍّ في جُلودها نَمِرْ
أَي شَرِبَتْ فَعَطَنَتْ، وقيل الماء النَّمِير الكثير.
نُمارةُ : اسم قبيلة ذكرها النابغة الشاعر:
وما رَأَيْتُكِ إلاّ نَظْرَةً عَرَضَتْ ***يومَ النُّمارَةِ والمَأْمورُ مَأْمُورُ
ونُمَيْرةُ بَيْدَانَ كجُهَيْنة : جبلٌ للضِّباب قال جريرٌ :
يا نَظْرَةً لك يومَ هاجَتْ عَبْرَةً ***من أمِّ حَزْرَةَ بالنُّمَيْــــرَةِ دارُ
ونَـمِـرَة: مكان مشهور في عرفات من مناسك الحج ، وفي أمثال العرب المشهورة قولهم:
اسقِ أخاكَ النَّمَريَّ يَصْطَبحْ . بفتح الميم، منهم حاتم بن عُبَيْد الله النَّمَرِيّ شيخٌ لسَمَّويَة والحافظ أبو عمر يوسف بنُ عَبْد الله بن عبد البَرِّ النَّمَريّ المالكيّ الأندلسيّ صاحب التَّمهيد والاستيعاب وغيرهما . قلت ( الزبيدي صاحب تاج العروس) : وشيخُنا خاتمة المُحدِّثين باليمن الإمام الفقيه العلاَّمة رَضِيّ الدين عبد الخالق بن أبي بكر بن الزين المزجاجيّ الحَنَفيّ الزَّبيديّ النَّمرِيّ وآل بيته ولد سنة 1102 هـ وتوفي سنة 1181 بمكة المكرمة .
وفي المثَل أيضاً: أَرِنيها نَمِرَةً أُرِكْها مَطِرَةً، وهو قولُ أبي ذُؤَيْب الهُذَليّ ، وَاْلَقياسُ نَمْراء تأنيث الأَنْمَر، من السّحاب يُضرَب لما يُتَيَقَّنُ وقوعه إذا لاحَتْ مَخايلُه كما فسّره المَيْدانيّ .
وبنو نُمير قبيلة مشهورة ، وهم الذين هجاهم الحطيئة في أقذع بيتِ هجاءٍ عرفته العرب:
فَغُضَّ الطرفَ إنك من نُميْــرٍ *** فلا كعبــاً بلغْـتَ ولا كلابــا
ومن البلدان:
نِـمْـرى( زنة ذكرى): قرية في مصر الشقيقـة.
نامر: قرية قرب الشيخ مسكين، في حوران بسورية.
نِمْــرة: قرية على طريق دمشق – السويداء
وكذلك قرى نمرين ونمرة في الأردن الشقيق.
قرية نِـمْــــر في سلطنة عُـمــــان.
وبليدتنــا ( نَـمَـر) بالتحريك، من القرى الجميلة ذات الهواء العليل والموقع الجميل، تقع بين بلدتي جاسم والحارّة ( حارث الجولان) ، شمال مدينة الإمام النووي رحمه الله.وتبعد عن دمشق حوالى سبعين كيلومترا، وعن عمان مئة وعشرين وعن القدس الشريف سبعين كيلو متراً ، وعن عكا مسافة أربعين كيلا ً. ويحدُّ القرية شمالا نبع الصخر وقرية الحارّة( حارث الجولان)وجنوبا جاسم وبسطاس( العالية) وغربا قرى القصيبة وسويسة وعين التينة وقرقس وشرقا زمرين وسملين، وتتبع إلى قضاء ازرع( القائمقامية) وناحية نوى. وتعج القرية بأشجار الزيتون والتين والرمان، وأشجار الحراج والبيوت الأثرية .
فالقرية القديمة كلها تقوم على أطلال بيوت أقدم منها، وخاصة غرب الجامع العمري(حارة العمارين والبكارنة والفزازعة)، بل كنا ننزل للمسجد من شرقه عشرين درجة، وكان له مئذنة كبيرة، أدركْتُ منها القاعدة في دار حسين الفزاع من غربها.
ولم يذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان، وإنما ذكرها ابن خلدون (732-808هـ) في مقدمته، حين ذكر (عرب نمر ) وأورد شعرا لامرأةٍ حورانيّةٍ من قرية نَـمَـر تستغيث بقومها:
تقولُ فتاة الحيّ أمّ ســـــلامةٍ  // بعينٍ أراع اللهُ من لا رثى لهــــــــــا
تبيت طوال الليل ما تالف الكرى // موجّعةٍ كن السفا في مجالهــــــــا
على ما جرى في دارها لابو عيالها // بلحظةِ عينِ البينُ غيّرَ حالهــا
فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكم // ونمتوا عن اخذ الثار (ما ذا مقالها)
انا قلت اذا ورد الكتاب يسرني // ويبرد من نيران قلبي ذبالهـــــــــــا
أياحيف تسريح الذوايب واللحى // وبيض العذارى ما حميتوا جمالها
وأرى أن التصحيح للأبيات مع شيءٍ من الشرح واجب، من واحدٍ مثلي يفهم لهجة عرب نمر:
تقولُ فتاة الحيّ أمّ سلامةٍ  // بعينٍ راع اللهُ من لا رثى لها
(راع الله) أقرب للهجة الحورانية من (أراع) الفصحى.
تبيت طوال الليل ما تالف الكرى // موجّعةٍ كن السفا في مجالها
كن السفا: أي كأنَّ السفا، وهو السافية ، غبار يؤذي العيون.
على ما جرى في دارها لابو عيالها // بلحظةِ عينِ البينُ غيّرَ حالها
وأبو العيال هو الزوج.
فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكم // ونمتوا عن اخذ الثار (من ذا قالها)
من ذا قالها؟ أقرب للهجة الحوارنة من (ما ذا مقالها).
وكانت تمتاز قرية نمر بالجامع العمري فيها ذي أربعة المحاريب، وتعلو سطحه حجـارة منحوتة على طراز خاص بشكل هرمي جميل، ووعيت فيها وجود معصرة زيتون رومانية،
وقساطل مطليّة بالجير تجري فيها المياه العذبة للشرب، كما تمَّ اكتشاف مقبرة رومانية في أرض السيد مزعل شباط ولها باب حجري منحوت بعناية ووجدنا آثار زجاجية وأواني وعملات معدنية بجانب جثث الموتى.
وأذكر من مـآثر قرية نمر وجود كهف يسمى ( فارورة) كان يتصل بنفق ( سرداب) تحت أرضي يصله بخان النصور ( آل النصر) في قلب القرية.
وحديثا (في عام 1960 م) أُسِّس في "نمر" أول مصنع للراحة ( نوع من الحلوى تشتهر به محافظة أذرعات)، وإلى الغرب منها على تخوم "تل المحص" يقع مرج الصُّفَّـر ، وهو مليء بعيون الماء العذب وأشهرها (عين العبد) وعين( العروس)، ويقع كثير من المؤرخين في خطأ جغرافي تاريخي، إذْ يسمون المرج الواقع جنوب مدينة دمشق بمرج الصُّفَّر، وإنما هو المرج فقط.
دليلنا القطعي على دعوانا، قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
أسَألتَ رَسْمَ الدّارِ أمْ لَمْ تَسْألِ  *** بينَ الجوابي، فالبُضَيعِ، فحَوْمَلِ
فالمرجِ، مرجِ الصفرينِ، فجاسمٍ***  فَدِيَارِ تبنى ، دُرَّساً لم تُحلَــلِ
دمنٌ تعاقبها الريـاحُ دوارسٌ،  ***والمدجناتُ من السماكِ الأعـزلِ
دار لقـــوم قد أراهـــم مـــــرة *** فوقَ الأعزة ِ عزهـــــمْ لمْ ينقلِ
لله دَرُّ عِصَـــــابَة ٍ نادَمْتُهُــــمْ، *** يوْماً بجِلّقَ في الزّمـــــانِ الأوَّلِ
لاحظ البيت الثاني:
فالمرجِ، مرجِ الصفرينِ، فجاسمٍ***  فَدِيَارِ تبنى ، دُرَّساً لم تُحلَــلِ
وترتيب القرى فيه هو : مرج الصفّر ثم جاسم بلدة أبي تمام، ثم قرية تُـبْـنـى ( أو تبنة) على التسلسل ، ولو قلنا أن مرج الصفر هو الواقع جنوب دمشق لفقد هذا الترتيب معناه تماماً.
وفي مرج الصفّر  قرية خَرِبـــة نسميها خربة المرج.
ومن هذه الخربة نطل ُّغرباً فتطالعنا الواقوصة ، ونستذكر فيها يوما من أيام الله انتصر فيه المسلمون بقيادة سيدنا خالد على الرومان بقيادة ( ماهان) فالأرض كلها تسمى أرض اليرموك، وفيها واديا العلان والرقاد وجسراهما الشهيران. وأشهر أراضيها: أم الحيَّات وظهرة الحمّص والجديلة وفيها قُتِل الشاعر نمر العدوان صاحب وضحا، ودير الحمام( أو دير الحنان)، وكفيريسى ( خربة كفير عيسى)، وأم البراغيث والزنجار ورسم الرشاد، وأرضها مليئة بالأعشاب والنباتات الطبية والغذائية .
وعلى ثراها يرقد كثيرون من أصحاب رسول الله  الأجلاء رضي الله عنهم ، وتشرب القرية من ماء يسمى ( نبع الصخر) ينبع من غرب الحارّة، وهناك قُتل النبي الكريم سيدنا يحيى عليه السلام بطلب ٍ من هيروديا العاهرة كما هو معروف في القصة، في منطقة لا تبعد كثيراً عن ( خان الحلابات) وهو أحد أبرز الآثار الحضارية لقرى ( نمر والحارة ونبع الصخر).
وينتسب إلى أهل نمر من الأعلام المعاصرين:
الشيخ الشريف عبد الباقي الحريري
الشيخ الشريف محمد فرحان حسن الحريري
السيد القارئ جادالله يونس النصَّــار، وهو أول من تعلّم من القرية وخطَّ فيها بالقلم في كُتَّاب جدي ( الشيخ محمد فرحان )يرحمهم الله، بل كان ينيبه عنه في تعليم التلاميذ إبَّان غيابه، مما أهَّلــهُ لفتح كُتَّـابٍ خاص به فيما بعد .
الشيخ الشريف محمد راشد الحريري،
ومن أقرانه الذين رافقوه في طلب العلم الشرعي أخوته الثلاثة حسن وحسين وهاني، والشيخ محمد عيد شباط، والشيخ محمد حسن العثماني ( دفين بيروت) وعضو دار الفتوى فيها.
والشيخ إسماعيل العمار، أبو عبده نزيل القنيطرة والحجر الأسود، والحاج عبد القادر الحجية العمار، والشيخ فرحان الحجية.
والشيخ المفتي عبد الله إبراهيم الخطيب المصري، مفتي ازرع رحمه الله... ومنها:
الأستاذ أحمد حسن الخطيب رئيس الجمهورية السورية سنة 1970م.
السيد مصطفى البكرى، وإليه يرجع الفضل بقتل الطاغية ( ميس) شيخ قبائل عنزة قبل أكثر من مئــة عام ( تحديدا حوالى 1313 هـ).
السيد الشهيد علي خبيز النصار ، قاتل الجنرال الفرنسي( هوزيل)حوالى سنة 1921.
أختي الآنسة فتحية أول قارئة في القرية من الإناث هي وأمها (أمي الأولى) السيدة فاطمة العمار وعمتي الحاجة رحمة.
وتمتاز قرية نمر بكثرة حملة الشهادات العليا والأطباء، وأساتذة الجامعات فيها رغم عدد سكانها القليل، لكن وللحقيقة فإنَّ هذا العدد في تنامٍ واضح ، فالقرية لم يكن عدد سكانها في خمسينات القرن الماضي يتجاوز الستمئة نسمة بينما هي اليوم أكثر من عشرين ألف نسمة.
أما عن سبب التسمية (نمر) فأرى أنها سمّيت بسبب مائها الطيب، وقد يكون لها اسم آخر فيما مضى نُسي وانمحى من الذاكرة، والله أعلم.
----------------------  حاشـــيـة:
من طقوس الكتاب في قرية نمر التي يرويها الجيل عن الشيخ فرحان الحريري، مؤسس الكُتَّـاب والمعلم الأول في القرية رحمه الله، ( وكان التعليم مجانيا مع تقديم التشجيع والحوافز من شرب الشاب والفروسية والجوائز الحافزة) كما حدثني السيد يوسف جادالله النصار عن أبيه جادالله ، وأستاذه الشيخ راشد الحريري( والدي)، قال:
إذا ختم الطالب القرآن الكريم فكنا نطوف به القرية بيتا بيتاً، ونحن ننشد:
يا  برق  الشام ***  بلغْ  ســــلام
على محمّـــد   *** خيــر الأنــــام
العين  تدمــــع *** والقلب يخشع
والأذن تســمع ***  لذكــــرِ  اللـه
مُـنـاي أزوره  ***  أشــاهد  نوره
فاحت عطــوره *** مسك الختــام
يــا بـرق الشــام ............... الخ.
وذكرتني هذه الطقوس بطقوس الـ(تومينـــة) أو التأمينة ، التي يفعلها الخليجيون عند الختم، وخاصة في دولة الامارات العربية المتحدة، حيث يطوف التلاميذ الأزقة وهم ينشدون:
الحمد لله الذي هدانـــــا ؛    وهنا يقولون خلف المنشد: آمين.
للدين قد علَّمنــا القرآنــا ، ويعيدون : آمين ، ....... وهكذا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى