يمثل سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات انتشاراً في قطر، ورغم أن الأرقام تبقى مشجعة باعتبار أغلبية الحالات المشخصة تصنف ضمن خانة الأورام الحميدة التي لا تشكل خطراً على حياة المصابات، غير أنه يجب تضافر الجهود وتعزيز حملات التوعية، وبأهمية القيام بكشوفات طبية مبكرة لاستباق كل احتمالات الإصابة بالمرض. وحول انتشار المرض بين النساء في الدولة، أكدت المدير العام للجمعية القطرية للسرطان، مريم حمد النعيمي أن سرطان الثدي «يمثل أعلى أنواع السرطانات في قطر، واحتمالات الإصابة بسرطان الثدي ترتفع إلى 3 مرات لدى كل سيدة تحمل تاريخاً عائلياً من الدرجة الأولى، كما أن كتل الثدي ليست سرطانية دائماً و%80 منها تعتبر أوراماً حميدة». ولفتت إلى أن الجمعية لا تدخر جهداً في سبيل تطبيق أهدافها على أرض الواقع منذ إنشائها في عام 1997، مشيرة إلى إطلاق حملات دورية توعوية تهدف إلى رفع الوعي العام بالمرض وذلك طبقاً للتقويم العالمي للتوعية، حيث أطلقت الجمعية حملة «دنياك وردية» بالتزامن مع أكتوبر وهو شهر التوعية العالمي بسرطان الثدي.
وأضافت النعيمي أن من بين أهداف هذه الحملات التوعوية تصحيح المفاهيم الخاطئة حول المرض والأعراض والفحوصات الطبية المتاحة على صعيد الدولة، وطرق الكشف المبكر وأهمية الفحص الدوري في عمليتي الوقاية والعلاج، موضحة أن التصدي للسرطان بشكل عام وسرطان الثدي خاصة بحاجة لتضافر الجهود لاسيَّما وأنه يعد أسرع أنواع السرطانات انتشاراً بين السيدات، حيث ترتبط هذه الزيادة بالتغير في الأنماط الحياتية للمرأة.
وحسب النعيمي فإن حملة «دنياك وردية» تستهدف الإناث من جميع الفئات العمرية في المجتمع القطري على مدار الشهر، وتهدف لتحقيق حزمة من الأهداف أهمها تشجيع الكشف المبكر عن السرطان والذي يساهم في شفاء %95 من الحالات المصابة بإذن الله، وهذه هي رسالة «الأمل» التي تسعى الحملة لنشرها من خلال تدشين مسيرة وردية تنطلق منتصف الشهر الجاري بكورنيش الدوحة، كما تهدف الحملة أيضاً، تقول النعيمي المديرة العامة للجمعية القطرية للسرطان، لتشجيع الكشف المبكر كونه الركن الأساسي في الوقاية والعلاج لاسيَّما وأنه يتضاعف احتمال الإصابة بسرطان الثدي 3 مرات لدى كل سيدة تحمل تاريخاً عائلياً من الدرجة الأولى، موضحة أن ظهور أي كتلة في الثدي لا يعد سرطاناً، ومع ذلك يجب مراجعة الطبيب فوراً عند ملاحظة أي تغيرات في الثديين مثل وجود تورم مستمر. وتابعت «كما تهدف الحملة لرفع مستوى الوعي حول المرض ونشر ثقافة تبني أنماط الحياة الصحية للوقاية منه، وتسليط الضوء على الخدمات الصحية المتعلقة به والمتاحة في دولة قطر، وإحياء روح التنافس والمبادرة من خلال الأنشطة والفعاليات المقامة، وبث الأمل والتفاؤل لدى فئات المجتمع المختلفة تجاه مرض السرطان والقدرة على التصدي له، إلى جانب تفعيل دور المجتمع في تقديم الدعم اللازم لمرضى السرطان مادياً ومعنوياً.
حقيقة المرض
حسب منظمة الصحة العالمية يسجل العالم سنوياً 1.38 مليون حالة إصابة جديدة بمرض سرطان الثدي، ينجم عنها 450 ألف حالة وفاة من جراء الإصابة بهذا الداء (وفقاً لتقديرات الموقع التابع للوكالة الدولية لبحوث السرطان). وبحسب الإحصاءات العالمية فإن سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين نساء العالم.
في قطر تتحدث الأرقام الرسمية المسجلة لدى الجمعية القطرية للسرطان عما يقرب من 3 إلى 4 حالات إصابة بسرطان الثدي أسبوعياً بين النساء. ولمواجهة الداء رصدت الجمعية مبلغ 8 ملايين ريال برسم العام 2015، ضمن خطة تهدف إلى تخفيف تكاليف العلاج ومواكبة رحلة الشفاء، إذ تتحمل الجمعية حالياً النفقات المادية لعلاج 2740 حالة مصابة بداء السرطان.
شهادة مؤثرة
قد يكون نظام المواعيد في المستشفيات والمراكز الصحية، أول مظهر للمعاناة التي تصطدم بها نساء تحمل ورم السرطان، فإذا كان الكادر الطبي مؤهلا لتتبع مثل هذه الحالات المرضية، سواء بالجراحة التي يليها علاج كيميائي أو بالكشوفات الطبية والمصاحبة بالفحص الإشعاعي في حالة الأورام الحميدة، فإن الولوج إلى العلاج يبقى واحداً من التحديات التي تواجه المرضى، بعضهم يلجأ إلى العيادات الخاصة لكن بعضهم الآخر يكون مضطراً للانتظار لأجل مرض لا ينتظر كثيراً من الوقت.
رغد وحنين وفاطمة، 3 حالات مرت من تجربة موت محقق في مواجهة مرض سرطان الثدي، رغد تخلصت من الورم بعملية وضعية لم تفقد معها كل ثديها، وحنين لم يكن لها مفر من مقص الجراح لمنع انتقال المرض إلى باقي الجسم، أما فاطمة فقد ساعدها الكشف المبكر على تجنب الجراحة بعد أن كشفت الفحوصات الطبية إصابتها بسرطان الثدي الذي كان قد أنهى حياة اثنتين من شقيقات والدتها.
لكل منهن قصة مع المرض قد تختلف تفاصيلها من حكاية إلى أخرى، إلا أنهن يتقاسمن المعاناة نفسها ويشتركن في قدرتهن على مواجهة الداء بشجاعة. تقول رغد، 39 سنة: «اكتشفت أن لدي ورماً في الثدي صدفة، كنت قد لاحظت تغيراً في حجمه ولونه فقررت الذهاب إلى عيادة الطبيب وحينها كانت الصدمة. لم أتقبل الأمر بداية، لكن لم يكن أمامي خيار آخر سواء الاستسلام للأمر الواقع. ساعدني زوجي على تجاوز الحالة النفسية التي مررت بها».
تحكي رغد قصتها مع المرض بابتسامة لا تفارقها، بعدما غادر السقم جسدها: «استشرت عدداً من الأطباء حول إمكانية التخلص من الورم بوصفة دوائية فقط، لجأت إلى الطب البديل أيضاً هرباً من مقص الجراح لكني في النهاية وجدت أني كنت أضيِّع وقتي في مواجهة مرض يحارب الوقت»، مضيفة «بعدها رضيت بالواقع وبدأت أتردد على الطبيب لإجراء البيانات الطبية، فقد وصف لي بداية مجموعة من الأدوية وحدد لي بعدها موعداً لإجراء عملية نزع الورم»، وتبدأ بعدها جلسات العلاج الكيميائي. وتحكي رغد «في مرحلة العلاج فقدت الكثير من وزني وتساقط شعري كلية وتغيرت ملامح وجهي، كانت حصص العلاج ضرورية للتأكد من أن المرض لن يعاود الرجوع مرة أخرى. لقد تطلبت مني تلك الجلسات العلاجية صبراً، نلت بعده راحتي واستعدت عافيتي وعدت اليوم إلى ممارسة حياتي بشكل طبيعي».
الخوف.. عقبة أمام الكشف المبكر
تتردد الكثير من النساء في إجراء كشف مبكر لسرطان الثدي، فحالة الخوف التي تستبق نتيجة الكشوفات الطبية تدفع الكثير منهن لصرف النظر عن الفكرة، رغم أن كل تأخير هو مغامرة قد تكون كلفته باهظة.
حنين واحدة من النساء اللاتي ترددن بسبب الخوف، قبل اتخاذ قرار شجاع بالتوجه إلى طبيب مختص، كثيراً ما أجلت إجراء فحص إشعاعي بسبب الخوف لتكتشف في النهاية أنها تأخرت في إجراء كشف مبكر. لم تكن علامات الإصابة بادية عليها، وهو سبب كافٍ للتأكيد على أن الكشف التلقائي مطلوب لدرء كل احتمالات الإصابة بالداء. تتحدث حنين، 28 سنة، عن تجربتها فتقول «أثارتني حملات الوقاية من سرطان الثدي على شبكات التواصل الاجتماعي، لاحظت أن هذا المرض يختص بالنساء دون الرجال، وبدأت التفكير في معاناة المصابات ومصير أسرهن، لاسيَّما أن الصور التي تتناقلها وسائل التواصل كانت تظهر الأبناء وهم يتحلقون حول سرير الأم المريضة»، وتضيف حنين «إن كثيراً من تلك الصور التي شاهدتها ما تزال عالقة بذهنها وهي لم تفارقني طيلة فترة العلاج».
قررت حنين التوجه إلى عيادة خاصة، تطلب الأمر فحصاً بسيطاً لتجد نفسها ضمن نادي حاملات الورم في ثديها. تروي تفاصيل تلك اللحظة: «بقيت صامتة وأحسست بانهيار شديد، ومرت بذاكرتي مشاهد الأطفال يجلسون حول أمهاتهم، وعلامات الخوف بادية على وجوههم. في كثير من لحظات التفكير وضعت نفسي في مكان تلك الصور وغيرت وجه الأم المريضة بوجهي، يصعب وصف تلك اللحظات الآن».
وتضيف حنين «لم يكن الأمر سهلا لاسيَّما أن الطبيب صارحني بالموضوع منذ البداية وحدثني على حالة التقدم التي وصلها المرض، لكنه طمأنني بإمكانات العلاج المتقدمة التي توفرها العيادات المتخصصة في دولة قطر». تتذكر حنين كيف أنها ولجت غرفة العمليات بعد يومين من إجراء الكشف الطبي «كان الوقت يضايقني، وكان الطبيب المشرف يراهن على سرعة إجراء العملية لتأمين نسبة كبيرة لنجاحها، لم أتردد كثيراً فأنا أيضاً كنت أمسك بما تبقى من أمل في الحياة رغم الألم». تتابع حنين علاجها بعد العملية إلى يومنا، وتحرص على إجراء كشوفات دورية للتأكد من اختفاء الخلايا المريضة كلية، في انتظار أن تتسلم «وصل الحياة» من الطبيب المعالج.
تجربة فاطمة مع المرض أقل ألماً من سابقتها عند رغد وحنين، التقيناها لترويها لنا رغم انشغالاتها الجامعية. فاطمة حكاية فتاة والدتها فقدت اثنتين من شقيقاتها بسبب مرض السرطان، أمها تتابع الفحص منذ سنتين عند طبيب مختص. فضلَّت فاطمة الكشف المبكر مستفيدة من نشاطاتها وحملات التوعية التي تقوم بها الهيئات المختصة والجمعيات النسائية. تروي فاطمة تجربتها قائلة «لم يساورني الشك بكوني قد أكون مصابة بالمرض نفسه، ذهبت إلى الطبيب وأنا أتوقع كل الاحتمالات، لم يتأخر الرد كثيراً. فقد كنت أحمل جينات تؤكد أني قد أتعرض للإصابة بسرطان الثدي لسبب عائلي وراثي، شجعني الطبيب على الاستمرار في إجراء الفحوصات الطبية بشكل دوري».
تحكي فاطمة: «لقد عشت تجربة عابرة مع المرض، لأني أجريت الكشف المبكر وقد رأى الطبيب الاستشاري أنني لست في حاجة إلى جراحة، ووصف لي الدواء لمواجهة تطور الورم الحميد، فعلا إحساس مخيف أن تتعايش مع المرض، لكنه سرعان ما يختفي هذا الشعور حينما تتعرف على مرضك». تتابع فاطمة اليوم جلسات الفحص الإشعاعي بشكل تلقائي وبشكل مستمر رغم تطمينات الأطباء بكون السرطان المكتشف يحمل ورماً من النوع الحميد.
نصائح للوقاية من المرض
من جهتها تحدثت الخبيرة هبة نصار مسؤولة التثقيف الصحي بالجمعية القطرية للسرطان، لـ«العرب» عن مجموعة من التدابير من شأنها حماية الثدي من الإصابة بالسرطان، أهمها «ممارسة النشاط البدني بانتظام والذي يقلل من خطر الإصابة فضلاً عن اتباع نظام غذائي صحي مع التركيز على الأغذية النباتية». وقالت إن الالتزام بنظام غذائي صحي يمنح حماية آمنة ضد سرطان الثدي الذي تصاب به حوالي 1 من 8 السيدات حسب الإحصاءات العالمية، حيث ربطت العديد من الدراسات بين النظام الغذائي الغني بالدهون والتسبب بسرطان الثدي، مضيفة أن اتباع نظام غذائي منخفض الدهون هو المفتاح الأساسي للوقاية، لذلك ينصح بتناول مجموعة من الأغذية مثل البروكلي والملفوف الأحمر والثوم والسلمون والطماطم والتوت.
وأكدت الخبيرة في التثقيف ضد السرطان على أهمية تطوير ثقافة الاستهلاك لدى السيدات لتساعدهن على اختيار الأطعمة والمشروبات التي تحافظ على صحة جيدة ووزن مثالي، مضيفة لقراء «العرب»: «قم بقراءة المعلومات الغذائية الموجودة على المواد الغذائية لتصبح أكثر وعياً بمقدار السعرات الحرارية. كن على علم بأن قليل الدسم أو الخالي من الدسم لا يعني بالضرورة منخفض السعرات الحرارية، تناول وجبات صغيرة عند تناول الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية»، إذ تفضل نصار اختيار الخضراوات والفواكه وغيرها من الأطعمة منخفضة السعرات الحرارية بدلاً من الغنية بالسعرات الحرارية، مع التقليل من تناول المشروبات المحلاة بالسكر.
ومن الأمور الهامة التي تقي من الإصابة بسرطان الثدي، تقول هبة نصار «تجنب أو الحد من تناول الكحول والكشف على سرطان الثدي في وقت مبكر، حيث يظل التشخيص المبكر من أهم استراتيجيات الوقاية والعلاج، بالإضافة للحرص على عمل الاختبارات الجينية والجراحة الوقائية للنساء اللاتي لديهن نسبة خطر عالية للإصابة بسرطان الثدي».
أبراج الكورنيش «وردية»
حملة «دنياك وردية» هي كرنفال عبارة عن غرفة للفحص المتنقل بوجود سرير للفحص ووجود طبيبة مختصة متطوعة، وتمت فيه مراعاة كل مقاييس الخصوصية للمريض، كما سيتجول الكرفان على مدار الشهر الجاري في العديد من المدارس والجامعات والأماكن العامة والمجمعات التجارية. وتقول المدير العام للجمعية القطرية للسرطان، مريم حمد النعيمي إن فكرة الكرنفال جاءت بمناسبة شهر التوعية بسرطان الثدي كونه يمثل أعلى أنواع السرطانات المسجلة، لافتة إلى أن الكشف المبكر يعني اكتشاف المرض في مراحله الأولى مما يتطلب تدابير أقل كلفة وأخف وطأة، منوهة إلى أهمية الفحص الذاتي المنتظم والذي يساعد السيدات على التعرف على أية تغيرات في شكل الثدي أو تكون كتلة في أنسجته الأمر الذي يدفعهن إلى البحث حيال هذه التغيرات أو الكتلة دون إبطاء.
وسوف يحمل المشاركون في التظاهرة التوعوية شارات اللون الوردي الفاتح، هو اللون الخاص بشهر أكتوبر ودلالة على سرطان الثدي وذلك وفقاً للتقويم العالمي، وتضيف النعيمي، أن تدشين الحملة سيكون بمنطقة كورنيش الدوحة من خلال مسيرة وردية يرتدي فيها المشاركون «تي شيرت» الجمعية الوردي وتنتهي بإطلاق البالونات الوردية المضيئة، فضلاً عن إنارة أبراج الكورنيش باللون الوردي تضامناً مع هذا الشهر إلى جانب العديد من النشاطات الترفيهية العائلية المرافقة وتوزيع البروشورات التوعوية الخاصة بسرطان الثدي ومن ثم انطلاق المسابقة التوعوية. وتابعت «لم تغفل الجمعية دور التكنولوجيا الحديثة في نشر الوعي وضرورة تسخيرها لخدمة رؤيتها ورسالتها من خلال حرصها دوماً على تدشين حملات إلكترونية ممنهجة للتوعية بمرض السرطان وطرق الوقاية منه وتصحيح الأفكار السلبية المجتمعية المرتبطة به وذلك عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وتويتر وإنستجرام واليوتيوب، حيث خصصت حملة شهرية لكل نوع من أنواع السرطانات والتي تؤكد على ضرورة الفحص المبكر للكشف عن المرض وتحسين نوعية وأنماط الحياة من خلال التغذية السليمة وممارسة الرياضة اللذان يلعبان دوراً كبيراً في عملية الوقاية، حيث خصصت حملة هذا الشهر للتوعية بسرطان الثدي.