يحملنَ حجارتهنّ.. يلبسنَ كفافيهنّ.. ويصوّبنَ غضبهنّ صوب المحتلّ. الغضب حقّ لهنّ. الغضب يليق بهنّ. أما هنّ، ففلسطينيات شابات ومراهقات-أطفال، تصرّ كلّ واحدة منهنّ على الهتاف - ولو في سرّها - "وطني مسبيّ لكنّي الطلقة"، ويجعلنَ حجارتهنّ طلقاتهنّ. ربما لم يسمعنَ يوماً أحمد قعبور ينشد "يا نبض الضفّة"، لكنهنّ ينشدنَ باختلاف أشكال مقاومتهنّ وأينما وجدنَ على امتداد التراب الفلسطينيّ: "فليُمسي وطني حرّا، فليرحل محتلّي فليرحل.. فليُمسي وطني حرّا فليرحل محتلّي".
تُلتقط صورهنّ. ويقف العالم متعجباً. هؤلاء، لم تُعقهنّ أنوثتهنّ عن حمل حجارة أرضهنّ ورشق منتهكيها بها. تُلتقط صورهنّ، ويُظَنّ أنها توثيق لبسالة مستجدّة لطالما أُلحِقت بمواطنيهنّ الذكور. ويُظَنّ أنها توثيق لظاهرة طارئة غريبة عن هذه الأرض. كأنّما مصوّرو تلك اللقطات - ومتلقّوها - لم يسمعوا يوماً بأن هذه الأرض ولّادة، تنبت أحراراً ثائرين. هي تمنحهم الحياة غير آبهة بجنسهم. يكفي أنهم فلذات كبدها.
كأنما مصورّو تلك اللقطات، فاتتهم لقطة قديمة تعود إلى 46 عاماً. لقطة لشابة فلسطينيّة في مثل سنّ هؤلاء الثائرات اليوم، حملت السلاح حينها وصرخت في وجه العالم: لا نريد أرزّك ولا شوادرك.. نريد فلسطين حرّة عربيّة. هي صُنّفت إرهابيّة في ذلك الزمن، تماماً كما تصنّف الصحافة الإسرائيليّة اليوم هؤلاء الثائرات الجميلات.
هي إرهابيّة. كيف لا، وهي خاطفة الطائرات الأشهر في تاريخنا. كيف لا، وهي التي أجبرت العدوّ على ترديد "فلسطين حرّة عربيّة" بعدما حلّقت في سماء فلسطينها. كيف لا، وهي التي أجبرت الإعلام العالميّ على نقل خبر عمليّتها الأولى والإشارة إلى "فلسطين حرّة عربيّة"، في ما يشبه اعترافاً مهيباً بالنسبة إليها وإنجازاً جللاً.
هنّ إرهابيات. كيف لا، وهنّ يرشقنَ حجارتهنّ، حجارة وطنهنّ، في وجه منتهكِ حرمة هذا الوطن. يرشقنَ حجارتهنّ بإيمان ويقين لا يتزعزعان: فلسطين حرّة عربيّة. هذه فلسطينهنّ، وهنّ هَبّينَ لاسترجاعها ولم يخجلنَ من أظافرهنّ المطليّة ولا من عيونهنّ المكحولة التي تظهر متّقدة وسط كفافيهنّ التي لفّت رؤوسهنّ وشعرهنّ المتطاير. لم يخجلنَ من حليهنّ التي بدت لامعة حول معاصمهنّ وأصابعهنّ، وهنّ يرفعنَ قبضاتهنّ غضباً. لا الغضب يُسقط الأنوثة، ولا الأنوثة تحرمهنّ من حقّهنّ في الغضب.
هذه فلسطينهنّ، وهنّ هَبّينَ لاسترجاعها مع ابتساماتهنّ التي تضيء وجوههنّ السمراء والحنطيّة. وجوه تشبه هذه الأرض التي أنبتتهنّ. ويبتسمنَ. لا الابتسامة تُسقط الغضب ولا الغضب يحرمهنّ من حقّهنّ في الابتسام لغدٍ، يقرّ فيه العالم كله: فلسطين حرّة عربيّة.