أثار مقال نشرته مجلة «نيوستيتسمان» البريطانية جدلًا واسعًا أخيرًا، حيث سلط الضوء على ما اعتبره «الحقيقة المزعجة» فى شأن عدم تمكن النساء، رغم نضال مستمر منذ عقود، من تحقيق «المساواة» مع الرجال فى أسواق العمل، حيث تسجل أعداد متزايدة منهن تفوقًا على الرجال فى مجال القيادة، ولفت مقال المجلة البريطانية المثير للجدل الانتباه إلى أن الإناث المتفوقات على الذكور هن فى الغالب بلا أولاد وينظر إليهن بوصفهن «أنانيات» لا يكترثن لأوضاع غيرهن، فى حين أن النساء «الأمهات» نادرًا ما يصلن إلى القمة فى مجال العمل.
«فخ الأمومة»، عنوان مقال «نيوستيتسمان»، حمّل المرأة مسئولية فشل الأم العاملة فى تحقيق المساواة فى الراتب والنجاح مع الرجال، أو حتى مع العازبات أو المرتبطات بزواج أو علاقة ولكن من دون أطفال. وأدى ذلك إلى سخط كبير من قبل بعض اليمين البريطانى، إذ اعتبروا المقال يسارى التوجه، ويدخل فى إطار حملة لإرغام الشركات على فرض المساواة فى الراتب بين الموظفين، وجادل رافضو فكرة المساواة بأن «ليس كل النساء يستحققن بالفعل أن تتم المساواة بينهن فى الراتب فى أسواق العمل، إذ إن المرأة الأم قد لا تكون قادرة حقًا على تقديم وقتها وجهدها لمركز عملها مثل غيرها من الموظفات اللواتى لا أسر لديهن».
والحقيقة التى لا جدال فيها أن هذا الجدل حول «المساواة» يأتى فى ظل دور متنامٍ للنساء فى الغرب، لا سيما فى المجال السياسى، فحكومة الظل العمالية فى مجلس العموم البريطانى تتألف من نساء، كما أن حكومة كاميرون المحافظة تضم سبع وزيرات، غير أن أقوى الشخصيات السياسية فى الاتحاد الأوروبى هى بلا شك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
من ناحية أخرى هناك «حقيقة غير مريحة» تختفى وراء كل هذه الأسماء، وفق «نيوستيتسمان»، والتى تؤكد أن نسبة كبيرة جدًا من بين أبرز الناجحات فى مجال السياسة هن نسوة لا أطفال لديهن، وهو الأمر الذى أظهرته دراسة موسعة أجرتها الأكاديميتان سارة تشايلدز وروزى كامبل عام ٢٠١٣، تفيد بأن ٤٥٪ من النائبات فى مجلس العموم هن بلا أولاد، بينما ٢٨٪ من النواب هم بلا أولاد، وجاء فى الدراسة «أن معدل الأولاد لدى النواب الرجال يبلغ ١.٩ طفل، فى مقابل ١.٢ طفل لدى النساء»، وهناك أيضًا فرق جنسى فى عمر أطفال النواب، ففى المعدل يبلغ عمر الطفل الأكبر للنائب الذى يدخل #البرلمان للمرة الأولى ١٢ سنة، بينما يبلغ عمر الطفل ١٦ سنة للمرأة التى تدخل #البرلمان للمرة الأولى، وهذا يوحى بأن الأمهات، وليس فقط النساء، يتم التمييز ضدهن فى التمثيل فى شكل كبير فى الحياة السياسية البريطانية.
كما استخدم مقال المجلة البريطانية هذه الأرقام دليلًا على ما يصفه بـ«تمييز هيكلى فى المجتمع بأسره»، عندما يتعلق الأمر بالأمهات، كما اعتمد مقال المجلة على «عشرات اللقاءات» مع رجال ونساء يعمل كثير منهم فى مناصب سياسية بارزة، أجمعوا على صعوبة الموازنة بين مسئوليات العناية بأسرة وبين وظيفة فى مجال السياسة، حيث تتعمد الأحزاب على اختيار النساء العازبات أو غير المنجبات لتمثيلهن فى #الانتخابات، مما يجعل النساء يواجهن وضعًا بالغ الصعوبة، فإذا كان لديهن أطفال، فإن الناس ستنظر إليهن على أنهن لا يكرسن وقتهن بما يكفى لمنصب عملهن، وإذا لم يكن لديهن أطفال، فإن الناس ستأخذ عليهن أن ليس لديهن أى شيء فى حياتهن سوى العمل.
عمومًا أثار المقال ضجة واسعة فى بريطانيا، لكنه لم يحظ بإجماع، فقد كتبت أماندا بلاتيل، المعلقة فى صحيفة «ديلى ميل» اليمينية، أن «ليست كل النساء يستحققن راتبًا مساوياً»، طارحة السؤال: «ألم تسلط المجلة الضوء فقط على حقيقة واضحة: أن النساء العاملات اللواتى ليس لديهن أطفال، سواء عن اختيار أو نتيجة ظروف، لديهن فرصة أفضل للوصول إلى القمة من النساء اللواتى يصبحن أمهات؟»، مضيفة أن الصنف الأول لا يأخذ إجازة انقطاع عن العمل نتيجة الأمومة، ويمكنه أن ينافس الرجال من الأساس ذاته.