الحديث عن جائزة نوبل بأنواعها حديثٌ يثير الشفقة والسخرية معا، فلئن كانت جادة بعض الشيء في محورها العلمي، فإنها مبتذلة في الجانب الأدبي منها، جائزة بهذه الضخامة من الناحيتين المادية والإعلامية تستقطب حضور لجنة من الطراز الرفيع تحتكم إلى نتيجة معينة، تقرر بعدها الفائز وتعلن عنه، هذه الإجراءات التي تتم في الكواليس حيث لا يراها أحد من البشر، ولا يرى مقاييس الاختيار، ولا يعلم بشروط الترشح ولا الترشيح، يكتنفها كثير من الغموض والاستنكار وربما الاتهامات، فهي جائزة غريبة في أطوارها، عجيبة في فائزيها، طريفة في ماديتها.
هل محورها البحث عن الجديد أو البحث عن الطريف، أو أنها مجرد فزّاعة تخطب بها ودّ العالم وتكشف عوره، كم هو غارق في الفساد الأخلاقي والعلمي والاقتصادي والاجتماعي بل في كل مجالات الحياة، لا تعطى هذه الجائزة لمن اشتمّت فيه اللجنة المشرفة رائحة الصدق والإخلاص، همّها أن يأتي الفائز بالجديد والمثير وربما الطريف، وقد تختار شخصية يبغضها الجميع أو شخصية تمرّدت على القيم والمبادئ الإنسانية، لا سيما وأن الجدل يحتدم في شقي الجائزة للآداب والسلام، فهما من أكثر أنواع الجائزة إثارة وتأثيرا، ويلعب الإعلام العالمي دورا مهما في تأنيث الجائزة بقطع النظر عن فائزها الذكر أو الأنثى.
حظّ العرب من هذه الجائزة قليل جدا مقارنة بالأعاجم، فلعله لأن الجائزة هي بالأساس أعجمية أو لأنها تنظر للعرب أنهم فاقدو الإبداع، لا يبدعون إلا إذا ابتذلوا، وكتبوا بابتذال، ولذلك نستغرب إسنادها لنجيب محفوظ، وكانت المشعوذة نوال السعداوي من أبرز مرشحي الجائزة لهذه السنة، غير أنها ذهبت في آخر لحظة إلى البيلاروسية سفيتلانا ألكسيفيتش، فيما ذهبت جائزة نوبل للسلام للحوار الرباعي التونسي الذي أنقذ تونس من أتون حرب قد تشتعل في أي لحظة من الزمن.
هناك تعارض في الأسماء الفائزة ومدى جنوحها للابتذال أو للعنف، ورغم ذلك هي تفوز بجائزة نوبل، فمثل شمعون بيريز قد نالها سنة 1994 وهو ضابط الموساد الصهيوني الإرهابي الذي ارتكب مجازر في حق الشعب الفلسطيني، نالها مناصفة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الوزراء الصهيوني إسحاق رابين، كلا الصهيونين إرهابيان من الطراز الرفيع يشهد عليهم القريب والبعيد ولكن نوبل غازلتهما وكافأتهما بجائزة على جرائمهما ولا اعتراض، كما أن الرئيس الأمريكي الحالي أوباما الذي يدعم الإرهاب ويزعم أنه يدافع عن حقوق الإنسان يفوز بجائزة نوبل للسلام سنة 2009، أمر يثير الدهشة حقا، أما اليمنية توكل كرمان المرأة المجهولة تحوّلت فجأة من امرأة عادية إلى قائدة في الميدان أيام الثورة اليمنية لتكافئها اللجنة بهذه الجائزة سنة 2011 في مشهد آخر يدعو للاستغراب، من صنع هؤلاء؟ إنه الإعلام.
ولدي حديث عن الرباعي الذي فاز بجائزة نوبل للسلام هذه السنة 2015، فالرباعي المزعوم منظمات اجتمعت في تونس من أجل إخراج البلاد من أتون حرب أهلية كادت أن تندلع وقد نجحت إلى حد ما في التوافق تحت تأثير ضغوطات من الداخل والخارج وإبعاد العنصر الأساسي عن المشهد السياسي في تونس وهو حزب النهضة رغم أن رئيسه قد رضخ للأمر الواقع حفاظا على التوافق التونسي، غير أن هذه المنظمات يرأسها الفاسد الكبير حسين العباسي الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، ولصة النفط وداد بوشماوي رئيسة الاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة، والمحامي عبد الستار بن موسى بوليس العهد السابق رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، ويبقى العضو الأخير الأخف ضررا على تونس رئيس الهيئة الوطنية للمحامين محمد الفاضل محمود، فكيف بهؤلاء يفوزون بجائزة السلام وهم أعمدة الفساد في تونس، وكل الشعب التونسي يعرف هذا لذلك هو غير مسرور بما آلت إليه الجائزة، ولو اختارت أسماء لم تكن لهم صلة بالنظام السابق لكان أفضل إذا كانت تدعي الحيادية.
ويبدو لي أن الجائزة ذهبت إلى هؤلاء بطريق الخطأ، لأن الحوار في ظاهره عسل على سمن كما يقال، وفي باطنه عراك وخصام، فالشعب التونسي شعب مثقف وليس شعبا غبيا تسيره رؤوس الفساد هنا وهناك، شعب يعلم أن هذه الجائزة لطم على الخد، وبعثرة في الحسابات، ومشي في طريق الأشواك، فالحوار الذي حصل وإن كان قد أخرج تونس من المشاكل ليس بسبب هؤلاء بل بسبب مفكرين عقلاء ومثقفين كبار لهم تأثير في الشعب ومكانتهم الكبيرة في قلوبهم، هم يعملون في الخفاء، ليست لهم علاقة بنظام حثا على قلوب التونسيين ردحا من الزمان، نهب، وسرق، وغدر بالشعب لترفعهم الجائزة اليوم عاليا في السماء.
معذرة نوبل، إن كنت قد أسستَ جائزتك على روح الابتذال والعنف والتمرد فبئس هذه الجوائز الغبية، وإن كنت قد أسستَها بحسن نية فعليك تغيير اللجنة المشرفة على الاختيار، لأن هؤلاء المشرفين يبدو أنهم لم يبلغوا مرحلة الرشد، ولم يعودوا يفرّقون بين من يعمل بإخلاص ومن يفرّط في القيم والمبادئ الإنسانية عموما، عذرا مرة أخرى أخى نوبل!