حين تكتب المرأة، فهو إعلان عن الذات بقوة أمام ذاتها وأمام العالم، عارية ومتخففة سوى من كل شيء، فتكتب روحها بالكلمات لمتنحهاة الحياة بلا مواربة أو خجل أو رياء. تكتب وفي بالها تاريخ طويل من معاناة المرأة الكاتبة في مدونة تاريخ كتابة المرأة العربية التي كتبها الرجل، ومحاولته خنق صوتها، وطمس آثارها الا بما يناسب وواقع الحال! فالخنساء على سبيل المثال لا الحصر هي شاعرة متخصصة بالرثاء فقط، ولم يصلنا من قصائدها بالموضوعات الأخرى الا القليل النادر، وهناك غيرها الكثير! فتاريخ الكتابة هو تاريخ الرجل الكاتب. هنا في نصوص هذا الكتاب «الرجال ماجنون والنساء كاذبات» للكاتبة مريم ريان، والناشطة في مجال حقوق المرأة والطفل، نجد أن الكاتبة تكتب روحها وجسدها، أحلامها، وآمالها، ومخاوفها، ووطنها، وخيبتها، ووجعها، وخذلانها، ومنفاها بعيدا عن ظلال الوطن الأسير، دون أن تنسى أو تتناسى أنها تكتب أيضا للفرح. متجهة في هذا كله ومنحازة للإنسان أينما وجد، سواء أكان رجلا أم إمرأة. لا تكتب مريم ريان من الخارج، لا، فكل الاشياء تحدث في الداخل، هناك عميقا، لكن هذا الداخل الذي لا ينفصل عن الخارج بكل ما فيه لان الذات ذات متفعلة وفاعلة بما يحدث حولها، ذلك أنها ترى العالم وتعاينه عبر حيوات عديدة تظهر بالنصوص، فتكتب وتحفر عميقا، فيجيء الأب من غيابه البعيد، ويحضر الرجل الحبيب، والصديق، مثلما يحضر الوطن الذي لا يغيب بالرغم من المنفى الطويل. نقرأ معا من نص بعنوان «عاد الشتاء»: «كنت أتوق اليه، ذات شتاء لاجئة انا مثل آلاف البشر، والملاجىء قارص بردها، ترتدي عباءة دمشقية خيوطها من فلسطين». هكذا يمتد جرح الوطن من فلسطين حتى دمشق وبغداد.. فتصير المرأة لاجئة، وتصير ضحية تدفع الثمن الأغلى في الحروب، مثلما يحدث بالسلم. تنحاز الكاتبة في معظم نصوصها للمرأة، وتسلط الضوء على ما تعانيه في كل مكان تتواجد به، ولكن دون إدانة للرجل الذي يعاني ويقاوم مثلها وأن كان بصورة أقل مما تعانيه المرأة في الشرق، الشرق الذي يعلم يحض على النوم باكرا، وبتر العلاقات، وإسكات كل ما يصدر عن الكائن الحي من تلويحات تخص الجسد، أو أحلام، أو تلويحات أصابع إمرأة عاشقة لا تعرف سوى الحب. وليس عبثا أن أهدت الكاتبة كتابها للأم حيث جاء بالاهداء «أمي يا حياتي، أليس هذا ما أنتظرناه؟ هي كلماتي أهديها لك لأمنحها الحياة». هذا الكتاب، تجربتها الأولى بالكتابة، وهو نصوص لا ترتهن لمدونة الكتابة القصصية أو الروائية بل نصوص حرة، ذات لغة نضرة ومكثفة تصل المتلقي بأبسط الطرق وأقصرها، جاءت في خمس وثمانين صفحة من القطع المتوسط، بغلاف من الفنانة روان الشريف، وإصدار دار فضاءات 2015.