لم يحظَ اسم في العربية من الشهرة ما حظي به اسم «ليلى»، حتى صار رمزاً للحبيبة مهما كان اسمها، وتميز بتاريخٍ يعود للعصر الجاهلي فيه الكثير من الأحداث الطريفة والجدية التي ألقت بظلالها عليه، فأكسبته هذه الخصوصية، وهذا ما سنقف عليه عند استعراضنا لتاريخ هذا الاسم ومعناه.
«ليلى» و«ليلاء» لغوياً يرادف بمعنى واحد، وكل منهما مشتق من ،ليلى» تقول: «ليلة ليلاء» و«ليلة ليلى»، أي شديدة صعبة، أو هي آخر ليلة من الشهر لأنها أشد الليالي ظلمة، قال الجوهري: «ليلى» من أسماء الخمرة، أو هي النشوة والإحساس الخاص الذي يصيب شاربها، ومنه أخذ الاسم، والخمرة السوداء اسمها «أم ليلى» لأنها تفقد عقل صاحبها، فالليلة الظلماء- ليلى- تحجب الرؤية وتخمر الأجسام، فتفعل فعل الخمرة في العقول، فتحجب التفكير، وهذا هو وجه الشبه بينهما.
يقال للرجل المتميز بأمر يعرفه المخاطب «أبا ليلى»، ولهذا سُمي معاوية الثاني بن يزيد رضي الله عنهما «أبا ليلى»، أو لأن ولايته قصيرة، قال الشاعر :
لا تخدعن بآباء ونسبتها***فالملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
و«أبو ليلى» لقب يطلق كناية عن الدهر وتصانيف الزمان، و«ليلى» أيضاً اسم موضع، وقد أطلق اسم «ليلى» في الجاهلية على نساء كثيرات كان لهن دور كبير مؤثر في الحياة الاجتماعية والسياسية منهن:
- ليلى بنت الأحوص بن عمر بن تعلبة الكلبي، إنها أم بسطام وكانت صاحبة رأي في قومها، وقد افتدت ابنها «بسطام» يوم أسر بثلاثمئة بعير.
- ليلى بنت المهلهل التغلبية أم عمرو بن مكثوم سيد قومه الذي من أجلها قتل «عمرو بن هند» في الحكاية المعروفة في تاريخ الأدب حين طلبت أم عمرو بن هند طبقاً، فأجابتها: لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها، ولما ألحت بالطلب صرخت ليلى: «يا لذُل تغلب» فقام ابنها إلى السيف المعلق في صدر المجلس، وأطاح برأس ابن هند، وقال قصيدته المشهورة:
أبا هند فلا تعجل علينا
وانظرنا نخبرك اليقينا
بأنا نورد الرايات بيضاً
ونصدرهن حمراً قد روينا
تهددنا وتوعدنا رويداً
متى كنا لأمك مقتوينا؟
وفي الحادثة يقول أفنون التغلبي:
لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا
لتخدم ليلى أمه بموفق
- ليلى القضاعية واسمها «خندف» من قضاعة، وهي أم عرب الحجاز وبها يتفاخرون.
وفي العصر الإسلامي الأول اشتهرت أكثر من ليلى، وكنَّ من الصحابيات نذكر منهن:
- ليلة بنت حابس أخت الأقرع بن حابس التميمي، وهي أم غالب بن صعصعة ابن معاوية والد الفرزق وقد ذكرها في مرثية أبيه:
أبى الصبر أني لا أرى البدر طالعاً
ولا الشمس إلا أذكرتني بغالب
شبيهين كانا لابن ليلى ومن يكن
شبيه ابن ليلى يلج ضوء الكواكب
- ليلى بنت الحطيم الأوسية الأنصارية: وهبت نفسها للرسول (ص)، فقبلها ولم يبن بها، ثم استقالته فأقالها.
- ليلى بنت ثابت: أخت الشاعر حسان بن ثابت.
- ليلى الغفارية: وهي مشهورة، فقد كانت تخرج مع الرسول «صلى الله عليه وسلم » تداوي الجرحى وتقوم على شؤون المرضى، ويروى أن أم الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز كان اسمها «ليلى» .».
- الشفاء: ليلى بنت عبد شمس العدوية القرشية: كاتبة أسلمت قبل الهجرة، كان الرسول «ص» يزورها، وكان عمر يقدمها في الرأي، روت أحاديث، وقد علمت حفصة بنت عمر الكتابة.
وقد حمل اسم ليلى من الشاعرات العربيات الكثيرات، ولابد لنا أن نشير إلى أن المرأة كانت تحمل أكثر من اسم وأكثر من لقب، ومن المشهورات منهن:
- ليلى بنت كليز بن مرة بن أسد (من ربيعة بن نزار) وهي شاعرة جاهلية كانت تلقب بالعفيفة، أسرها أحد أمراء العجم وحملها إلى بلاد فارس، وحاول الزواج منها فامتنعت عليه وأبت، ومن شعرها القصيدة المشهورة التي تقول فيها:
ليت للبراق عيناً فترى
ما أقاسي من بلاء وعنا
و«البّراق» خطيبها، سمع بها فجاءها وأنقذها من أسرها وتزوج بها.
- ليلى بنت طريف بن الصلت التغلبية الشيبانية، ولقبها (الفارعة) وقيل: إن اسمها «فاطمة» وهي أخت الوليد بن طريف، اشتهرت بقصيدة لها في رثاء أخيها الوليد التي تقول فيها:
أيا شجر الخابور مالك مورقـاً = = = كأنك لم تجزعْ على ابنِ طريفِ
- ليلى بنت يزيد بن الصَّعِق: وقد اشتهرت برثاء ابنها «قيس بن زياد بن أبي سفيان» ومن أشهر قصائدها :
قد كنْتَ لي جبلاً ألوذ بظله
فتركتني أمشي بأجرد ضاحٍ
واليوم أخضع للذليل وأتقي
منه، وأدفع ظالمي بالراح
وإذا دعت قمرية شجنا لها
يوماً على فنن، دعوت صباحي
- ليلى الأخيلية: الشاعرة الفصيحة المشهورة: نشأت وتوفيت في العصر الأموي، وكانت جميلة ذات ذكاء وخفة روح، اشتهرت بأخبارها مع توبة بن الحمير، قال لها عبد الملك بن مروان مرة: ما رأى منك توبة حتى عشقك؟
قالت: ما رأى منك الناس حتى جعلوك خليفة.
وفدت على الحجاج بن يوسف الثقفي مرات، فكان يكرمها ويقربها، قال الحجاج مرة لحاجبه: اقطع لسانها، فهم الرجل أن يفعل، فقالت له: ويحك يا أحمق إنما أمرك أن تقطع لساني بصلة، فلولا فهمها بمعاني الكلمات لقطع لسانها.
ومن أبلغ شعرها ذلك الذي رثت به زوجها توبة قالت:
وتوبة أحيي من فتاة حييّة
وأجرأ من ليث بخفان خادر
فتى لا تخطاه الرفاقُ ولا يُرى
لقدر عيالاً دون جارٍ مجاور
حفظ لنا الشعر العربي القديم أسماء عدد غفير من الشعراء الذين علقوا بحب فتاة اسمها ليلى، وكانت «ليلى» أحياناً الرمز وأحياناً حقيقة، ولعل مجنون ليلى الذي التصق اسمه بليلى هو صاحب الحظ الأوفر من الذكر والإطراء صاحبته ليلى بنت مهدي بن سعد العامرية من بني كعب بن ربيعة أحبها قيس بن الملوح وهام بها صغيراً حين كانا يرعيان الغنم، بل فقد عقله وسمي مجنون ليلى لأنها حجبت عنه لما كبرت يقول في ذلك:
تعلقت ليلى وهي ذات تمائم
ولم يبدُ للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم، يا ليت أننا
إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ
ويقول في حبها أيضاً:
لعمرك إن الحب يا أم مالك
بقلبي- براني الله منه- للاصق
يضم على الليل أطراف حبكم
كما ضم أطراف القميص البنائق
ورأى المجنون مرة صياداً أمسك ظبية وربطها بحبل فقال له: أعطنيها وخذ قلوصاً من إبلي مكانها، فأعطاه إياها، فحلّها من وثاقها، فذهبت تعدو هاربة وهو ينظر إليها جذلاً هانئ البال ولسان حاله يقول:
أيا شبه ليلى لا تراعي فإنني
لك اليوم من وحشية لصديق
ويا شبه ليلى لو تلبثت ساعة
لعل فؤادي من جواه يفيق
فعينك عيناها وجيدك جيدها
ولكن عظم الساقم منك دقيق
تفر وقد أطلقتها من وثاقها
فأنت لليلى ما حييت طليق
ومن عشاق ليلى أبو حية النميري، وعبيد بن أيوب العنبري، وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وآخرون كثر لا يتسع المجال للحديث عنهم، فقد حفلت كتب الأدب بأشعارهم وبأخبارهم، وحسبنا أننا ذكرنا ببعض منهم من الذين تغنوا بليلى ومن أجلها سطروا القصائد والأشعار حتى قيل ما درج مضرب الأمثال :
كلٌ يغني على ليلاه *** وأنا على ليلي أغني
بقي أن نشير أن هذه المقالة لنا ، نشرتُها قبل ربع قرن في إحدى المجلات العربية الخليجية، وهي مجلة الكويت، ولكنني فوجئت بها مسروقة أي ملطوشة ، وسارقتها تحمل لقب (د )، "دكتورة"، وهي د.منى الياس ، اكاديمية من جامعة دمشق ، أباحت لنفسها بلا حياء ولا خجل ولا رقابة ذاتية أن تسرقها وتنحلها لنفسها، وكان من المفترض أن تكون السيدة منى ممن يدافع عن حقوق المبدعين، لا أن يسرقها ويسطو عليها !!! رأيت المقالة مسروقة ومنشورة فيمجلة الوطن العدد 1734 ومؤرخة في 25 \ 6 \ 2013 م ومنسوبة الى د\منى الياس !!!
وليقارن القارئ الكريم بين هذا التاريخ وبين تاريخ نشرها أول مرة باسمي،
مجلة الكويت، العدد (51 ) بتاريخ شهر تشرين الثاني 1986 الصفحة 40 . وظنت الدكتورة السارقة أنّ سبعا وعشرين سنة ستنسي الكاتب والناس النسبة الحقيقية لمقالة تراثية جذورية اسمها ( ليْلــــى ).