تعجز الحروف عن أن تعبِّر عن بطولات انتفاضة القدس التي يخوضها فتيان وفتيات القدس بخاصة، وفلسطين بعامة، ضد قوات المغتصب للأقصى الشريف، والمدنّس لقدسيته، ومهما نقلت الصور من بطولات هؤلاء الصغار في أجسامهم، الكبار في أفعالهم، فهي تنقل شيئًا وتترك أشياء، أطفال يحملون الحجارة ويمشون متبخترين أمام حشود من جنود العدو المدججين بالسلاح، لكن قلوبهم في هلع من فدائية هؤلاء الأطفال، ومن يسيرون من الصهاينة في الشارع تكاد قلوبهم أن تخرج من صدورهم من الخوف حتى وصل الحال بمستوطن يهودي من أصول يمنية أن يكتب على قميصه بالعبرية «اهدؤوا فأنا يمني»، وذلك خوفًا من أن يُطلق عليه النار من الجنود لسحنته العربية، وبدت بعض شوارع القدس خالية من المارة لما ركب الصهاينة من هلع من بطولات هؤلاء الصامدين الذين باعوا أرواحهم فداء لقداسة الأقصى.
منذ 67 عامًا (هي عمر اغتصاب فلسطين) لم يتوقف الفلسطينيون عن مقاومة المحتل، وكلما جاء جيل صار أشد بأسًا عليهم من سابقه، وفي زمن الانكسار العربي (حتى من جامعة الدول العربية) جاء هؤلاء الأطفال والفتيان والفتيات ليتحملوا المسؤولية في مقاومة المغتصب، ولم يلتفتوا إلى تحذير القوى الكبرى بأن أي عملية طعن تعد عملًا إرهابيًا، متجاهلين إرهاب الجنود الذين يتحلقون حول طفل يدفعهم ذات اليمين وذات الشمال فلا يجدون سوى أن يطلقوا عليه عشرات الطلقات ليسيل دمه ذكيًا، ومثله ذلك الشيخ الكبير الذي يتحداهم فيدفعونه ولم يستطيعوا ثنيه إلا برصاصات تركته جسدًا هامدًا، وما أجمل صورة الطفلين الساجدين ليقولا: «نسجد لله فنرتفع»، ومثلهما تلك الطفلة التي تقول مخاطبة الصهاينة: «أنتم إرهابيون لا نخافكم.. هذه أرضنا».
لقد ظهرت صور عيون النساء الملثمات قاتلة لهم وهن يواجهن المحتل، ويكاد يتلخص ما يمثل الانتفاضة الثالثة في مواجهة النساء والأطفال والمرابطين لإرهاب الدولة، وليس بيدهم سلاح إلا الرباط والحجارة، وقد قالت إحدى الفتيات لصحيفة «يديعوت أحرنوت» الصهيونية: «انتهت أيام جلوس النساء في المنزل ووقوفهن في المطبخ، هذه الأيام نثبت أننا قادرات على فعل ما يفعله الرجال» وأغلب هؤلاء النساء طالبات.
هجمات الطعن اليومية أرعبت قلوب الجنود المدججين بالسلاح، وأثارت قلق الساسة في العالم من اندلاع انتفاضة ثالثة، فيا له من شعب عظيم وقف ضده العالم الذي يحارب الإرهاب إلا إرهاب إسرائيل، ومع ذلك لم ييأس من نصر الله الموعود، لأنه صاحب حق، والحق منتصر ما لم يدب اليأس إلى النفوس، وذلك ما لم يحصل على مدى 67 عامًا.