منذ اليوم الأول لتأسيسها، لم تألُ الإمارات العربية المتحدة جهداً في استثمار كلِّ الطاقات والموارد لجعل مجتمعنا من أرقى وأفضل المجتمعات في العالم. ولقد آثرت بلادنا منذ ولادتها أن تضع في اعتبارها الأول تأمين حياة مستقرة يسودها الأمن والأمان لشعبها والعمل على احترام حقوق كلِّ من يقيم على أرضها من مواطنين وغير مواطنين.
ولقد بدا هذا الهدف جليًّاً مذ أبصرت الإمارات العربية المتحدة النور وراحت تنمو وتزدهر وفق مبادئ غرسها آباؤنا المؤسسون، فقد كان الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- رحمه الله - الذي يشهد له التاريخ بالعطاء وحب الخير والتعاطف من أكثر المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا أحد ينسى مقولته الشهيرة: «إن الإنسان هو أساس أي عملية حضارية، واهتمامنا بالإنسان ضروري، فهو محور كلِّ تقدم حقيقي مستمر مهما أنشأنا من مبانٍ وأقمنا من منشآت ومدارس ومستشفيات، ومهما مددنا من جسور وعملنا من زخارف، فكل هذا يبقى أشياء مادية لا حياة فيها، وغير قادرة على الاستمرار. فالإنسان هو روح كل هذا، وهو القادر بفكره والقادر بفنه وإمكاناته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها».
وعلى الرغم ممَّا وصلت إليه دولة الإمارات العربية المتحدة من تقدم في مدة زمنية قياسية، كانت وماتزال تضع شعبها من مواطنين ومقيمين على أرضها بأعراقهم وجنسياتهم المختلفة في طليعة اهتماماتها. ولم يذهب هذا الجهد الذي تبذله دولتنا سدى، فلقد صُنِّف شعب الإمارات العربية العربية المتحدة ضمن تقرير السعادة الذي صدر عن الأمم المتحدة مؤخراً، في المرتبة الثانية والعشرين من بين أسعد الأمم عالمياً وفي المرتبة الأولى عربياً. وبالطبع، لم يأتِ هذا التصنيف مصادفة، لكنه أتى من خلال توجيهات قيادتنا الرشيدة وعمل حكومتنا الدؤوب وتفانيها واهتمامها بقضايا الإنسان قبل أي شيء آخر.
أما فيما يتعلق بقضايا المرأة على وجه الخصوص، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تشهد يوماً ما يشير إلى مطالبة المرأة بحقوقها، ولم تعرف يوماً حركة نسائية من أجل إنصاف المرأة اجتماعياً وإنسانياً. فالدولة ومنذ تأسيسها، لم تفرق بين حقوق المرأة وحقوق الرجل، ولقد نشأت المرأة في الإمارات على مبدأ المساواة بين الجنسين. لا، بل أكثر من ذلك، فالمرأة تجد نفسها في بلادنا دائماً في قمة الأعمال التي تسعى لحفظ حقوق الإنسان.
لقد حصلت المرأة في الإمارات إلى جانب حقوق كثيرة على حق التعليم الذي كان ومايزال أولوية لدى حكامنا..كل ذلك، جعل المرأة الإماراتية تندمج اندماجاً تاماً في النسيج الاجتماعي مثلها في ذلك مثل الرجل، فهي تشارك في كل القطاعات الخاصة والحكومية وعلى كل المستويات، كما أنها حصلت بإنجازاتها على العديد من الاعترافات الدولية.
ومن المتعارف عليه، كما هو من المتوقع أن يكون هناك العديد من القضايا والقوانين غير المطبَّقة في دولة فتية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، ففي إطار قوانين العقوبات، وخصوصاً فيما يتعلق بالعنف الأسري، لا نجد في دولتنا قانوناً يحكم هذه القضية البالغة الأهمية، وهذا واقع أليم يمس حقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة خصوصاً، فلقد تجاهل المسؤولون في الوزارة أسئلة كثيرة حول وجود قانون يضع حدًّا للعنف الأسري مشيرين إلى أنه ليس هناك من قانون يعترف بهذه القضية !
إن مشكلة كهذه المشكلة، لا يمكن أن تكون سبباً لتجاهل الأرقام المتزايدة لحوادث العنف الأسري، فكيف تبقى بلادنا بدون قانون يحمي المرأة من التعرض للأذى الجسدي؟
المسؤولون ناقشوا قضايا ثقافية تجترُّ فِكَرا تتحدث عن خصوصية وحدة الأسرة، قد عفا عليها الزمن. فالمرأة حين تتعرض للعنف والأذى الجسدي اللذين يجعلان حياتها في خطر، تبحث عن ملجأ وعن حماية يقيانها شرَّ من يسبب لها الأذى، وهل سيكون ملجؤها غير القانون الذي يحميها ويحفظ حقوقها؟
ثمة ذريعة أخرى أعطاها المسؤولون، أرى أنه لا بد لي من ذكرها كي نجد حلاً لهذه القضية الخطيرة، فلقد أشاروا إلى أن العنف الأسري وسوء المعاملة في الدول الغربية يختلف عنه في دولنا العربية، حيث ينظر إلى الأذى الذي يلحق بالمرأة على أنه نوع من التأديب والانضباط الذي يلجم الأسرة ويحفظها من الشتات!
بصراحة؟ لا أستطيع تخيل مثل هذا التبرير! فلقد تكلم المسؤولون عن هذه التحليلات بصوت عال، ومازالوا مستمرين في اتخاذها حجة من أجل عرقلة وضع قانون يحمي المرأة من العنف الأسري.
الأرقام لا تكذب، فهي تفضح ما وصل إليه العنف المنزلي في مجتمعنا. وليس هناك أي ذريعة يمكن أن تبرر غياب قانون يحمي النساء من هذا العنف. ودولة الإمارات ليست في حاجة إلى ملاحظات الأمم المتحدة أو غيرها لتدرك أن حماية المرأة من العنف المنزلي حق إنساني قبل أن يكون قانونياً! لقد آن الأوان لنعمل معاً من أجل تسريع إصدار قانونٍ يحمي المرأة من العنف المنزلي خصوصاً أننا على يقين أن دولتنا كما عهدناها منذ ولادتها من أكثر الدول دفاعاً عن حقوق الإنسان، وعن حقوق المرأة خصوصاً.
وعندما نصدر قانوناً يحمي المرأة في منزلها، نكون قد أغلقنا في وجه أعدائنا ممن يحاولون النيل من بلدنا ومن منجزاته باباً من الذرائع فلا يصلون عبره إلى مبتغاهم!