قصص مشحونة بتفاصيل أليمة، تسردها، يوميا، نساء في “بوانت نوار”، أبرز مدن جمهورية الكونغو (الكونغو برازافيل)، على مسامع القائمين على مركز يعنى بتوجيه النساء اللائي تعرّضن للعنف الزوجي، أو أي شكل من سوء المعاملة، فهو ملاذ يوفّر لهن حسن الاستماع إلى قصص لا تنتهي، عن أوضاعهن البائسة، ويوجّههن ويعرّفهن بحقوقهن القانونية.
للمرّة الثالثة على التوالي، خلال أسبوع واحد، تتوجّه الكونغولية إسبيرانزا لويمبا، وهي متزوّجة وأم لطفلين، إلى مركز “النساء المعنّفات” في مدينتها “بوانت نوار”، آملة العثور هناك على ما يضمّد جراحها البدنية والمعنوية.
المركز حافظ على تسميته تلك، بما أنّه كان في البداية، وبالأساس، موجّها لاستقبال النساء اللائي يتعرّضن للعنف، قبل أن تتوسّع مهامه، بمرور الزمن، ليشمل جميع الحالات الصعبة التي يمكن أن تواجهها النساء في المدينة.
إسبيرانزا، على سبيل المثال، متزوّجة من مالي، غير أن زوجها هجرها مفضلا العودة إلى بلده الأصلي، ويقطع اتصاله بها، تاركا إياها في مواجهة الحياة بمفردها بمعية طفلين لا مورد لها لإعالتهما.
لم يتبقّ أمامها سوى اللجوء إلى المركز طالبة العثور على زوجها وإقناعه بالتكفّل بأبنائه، وفي نس الوقت، تأمل في الحصول على مساعدات مادية لإعالة أسرتها الصغيرة ولو مؤقتا.
وللمرة الثالثة أيضا، تتردّد على مسامعها الإجابة نفسها.. “لا توجد حلول حتى الآن، غير أن الاتصالات، بهذا الشأن، جارية مع مسؤولين من جمعية الماليين في الكونغو”. وفي انتظار حصول أسبيرانزا على فرصة للتدريب بإحدى الورشات بغرض الحصول على عمل، يكثّف المتطوّعون في المركز اتصالاتهم للحصول على عنوان زوجها أو رقم هاتفه.
منسّق المركز، ميسمين أوسيت، قال معقبا عن الموضوع “لا يسعنا –للأسف- منح المال لذوي الحاجة إليه، لأنّ أعدادهم كبيرة، في حين أنّ مواردنا محدودة للغاية، كما أننا نفضّل العثور على حلول لهؤلاء الناس على المدى البعيد”.
وأضاف إنّ مركزه “يستقبل شهريا معدّل 50 سيّدة ممّن يأتين للحديث عن قصص لا تنتهي بقدر الألم الذي تنضح به تفاصيلها”، لافتا إلى أنه أنشأ جمعيته هذه منذ 5 سنوات، وأن هدفها هو احتضان الأشخاص الذين يواجهون صعوبات في حياتهم.
المركز كان موجّها في بداية تأسيسه للنساء المعنّفات، بحسب منسّقه، الذي أشار إلى أنه، مع مرور الزمن، فتح أبوابه لبقية النساء ممن يواجهن أوضاعا صعبة.
“نستقبل نساء تعرّضن للعنف الزوجي”، يقول “أوسيت” مستعرضا مختلف الحالات التي يتكفّل بها، و”هناك نساء أرامل طردن من منزل الزوجية من قبل عائلة الزوج، وأخريات هجرهن أزواجهن، أو فتيات صغيرات يردن الذهاب إلى المدرسة غير أنهن يجابهن برفض آبائهن بالتبني، ويرغمن على العمل، وغيرها”.
جمهورية الكونغو (عاصمتها برازافيل)، وكغيرها من البلدان الافريقية، تعاني من نقص فادح في مراكز رعاية الضعفاء، وخصوصا النساء والأطفال ممن يتعرّضون إلى الضرب أو غيره من أشكال الإساءة. وهذا، ما جعل من مركز مدينة “بوانت نوار” وجهة يقصدها من هم في حاجة إلى الدعم والمساعدة، وإن لم تكن، مالية في كثير من الأحيان، غير أنّ الرعاية تظل، في حدّ ذاتها، شعاع أمل يضخ في حياة أناس فقدوه منذ زمن.
سند روحي جعل النساء الكونغوليات يتدفّقن، شهريا، بأعداد تتراوح من 15 إلى 50، سعيا وراء تحسين أوضاعهن والخروج من دائرة العنف، حيث يلقين مساعدة لحلّ مشاكلهن، وذلك عبر محاولات للصلح في بعض الأحيان، أو إجراء مفاوضات بين أطراف النزاع، أو تعريفهن بحقوقهن القانونية في حال أردن اللجوء إلى القضاء.
وأوضح منسّق المركز أنّ “الكثير من الضحايا لا يعرفون حتى حقوقهم التي يكفلها لهم القانون”.
إيرين بواتي، تحدّثت للأناضول عن تجربتها الخاصة قائلة “إثر وفاة والدي، اضطررت للعيش مع خالتي، التي أجبرتني على مغادرة الدراسة ومساعدتها على بيع الطماطم في السوق، غير أنه، وبفضل هذا المركز، وعقب مفاوضات امتدّت لعام بأكمله، وافقت خالتي، أخيرا، على استئناف دراستي”.
شهادات لا تنتهي لنساء فقدن أزواجهن فوجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة عائلة الزوج القاسية، أو الحاجة إلى المال للعيش أو حتى إلى دعم روحي يشجعهن على استكمال حياتهن بهدوء. ومع أن في (الكونغو برازافيل) وزارة تعنى بالشؤون الإجتماعية، إلاّ أنّ بطء الخدمات المقدّمة، في الكثير من الأحيان، تدفع بالمعنيين إلى التوجه نحو مراكز الاستقبال المعروفة بسرعة خدماتها.
حالات اجتماعية تطرح إشكالات وتنتظر حلولا، وحيثيات الواقع تشي بأنّ عدد النساء ممن يتعرّضن لسوء المعاملة، بشكل عام، في جمهورية الكونغو في ارتفاع مطّرد، رغم عدم توفّر إحصائيات رسمية بهذا الشأن، غير أنّ تقريرا من إعداد وزارة الشؤون الإجتماعية، حصلت “الأناضول” على نسخة منه، يشير إلى أنّ ما لا يقل عن 47 % من الأرامل في البلاد، تعرّضن، في 2013، إلى معاملة سيئة من قبل عائلات أزواجهن”.
الأرقام الرسمية تغيب أيضا فيما يتعلّق بأشكال سوء المعاملة الأخرى في (الكونغو برازافيل)، لكن هذا لا يحجب حقيقة أنّ عدد الشكاوى المقدّمة في هذا الغرض من قبل نساء وفتيات، “في ارتفاع مطّرد”، بحسب بعض المكاتب بدوائر تابعة للشؤون الإجتماعية في البلاد.