بعد سنوات من التغييرات الشاملة في قانون العمل التي كانت قد أقرتها وزارة العمل كان من الطبيعي أن تتواصل مسيرة التطوير ومنها إضفاء بعض التعديلات لتحسين أداء القطاع.
عندما يتم الإعلان عن قوانين جديدة فإن العبرة في التفاصيل والتطبيق وآليات التنفيذ. فمن السهل استخلاص عنوان القانون أو مجمله وترك التفاصيل، ونظرا لاهتمامي بملف تأنيث المحال فسأتناول البند الخاص به في التعديل الجديد.
تتضمن اللائحة المحدثة 38 تعديلا على مواد النظام تدعم التوطين والمنشآت الموطنة، وتهتم بتدريب وتأهيل السعوديين وتوفير بيئة العمل المناسبة للمرأة ومراعاة ظروفها، وتشمل تنظيمات لعمل المنشآت وعقود العمل لحفظ حقوق العامل وصاحب العمل.
أولا، تجدر زيارة موقع الوزارة باب "دليل البيئة النموذجية لعمل المرأة" الصادر بعد الأمر الملكي رقم (أ/121) بتاريخ 1432/8/2هـ "بشأن الموافقة على الخطة التفصيلية والجدول الزمني للحلول العاجلة قصيرة المدى والحلول المستقبلية لمعالجة تزايد أعداد خريجي الجامعات". إذن فالهدف كان أساسا توفير الوظائف وتذليل العقبات وترغيب العامل وصاحب العمل بما يخدم مصلحة الطرفين.
والحقيقة أدهشني مدى التفصيل والمجهود الذي بذل لتعريف ماهية "البيئة المناسبة لعمل المرأة" في قطاع التجزئة ناهيك عن التفعيل والتطبيق والغرامات. فمن التصميم الداخلي للمحل، إلى اللوحات الإرشادية، إلى الحد الأدنى لعدد الموظفات المسموح به في "محال العوائل"، إلى فئات الزبائن المسموح لها بالدخول، كلها تفاصيل يبدو أنها استغرقت وقتا وجهدا كبيرين لكنها ليست مثالية والدليل نسبة تسرب الموظفات التي يشكو منها أصحاب العمل. أما إحصاءات البطالة فحسب تقرير البنك الدولي 2014 وصلت إلى 33.2 في المائة "397 ألف امرأة"، وهي النسبة المعتمدة رسميا في تقارير وزارة العمل ومصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات المحليتين.
إذن فبيئة العمل "المناسبة" للمرأة قد تكون أحد عوامل النجاح لكنها حتما أقل من كافية ولا ينبغي أن تصبح كابوسا لصاحب العمل.
ثانيا، اعتماد مبالغ الغرامة لكل عقوبة قد يكون في النهاية عاملا طاردا للاستثمار نظرا لتعدد فئات الجزاءات المفروضة ثم تأتي المرأة التي "ابتلي" بها القطاع. ولا شك أن مصلحة التاجر تتوازى مع ما يمكن أن يسهم به للقضاء على البطالة.
نأتي لمسرح التواصل الاجتماعي وشيخه "تويتر" فنجد هاشتاق #شكرا_ وزير _ العمل والذي بدأ أمس، يعكس حجم الانقسام في الرؤى الفكرية للمغردين والشارع السعودي تجاه قضايا المرأة. وهذا ليس جديدا لكن المحزن أن مجرد عنوان إعلامي يحوي عبارة "المرأة السعودية" كفيل بتأجيج الشجار بين فئات المجتمع وكأنهم سلموا بأن المرأة هي مصدر الشقاق وسوء الأخلاق وأن الحفاظ على سلامتها هو مسؤولية كل رجل سواء كان مغردا أو عابر سبيل.
وفي النهاية لو كنت مسؤول عمل المرأة في الوزارة لبحثت عن الأسباب الحقيقية لمشاكل بطالة المرأة والتسرب الوظيفي وعزوفها عن العمل في قطاع دون الآخر، إضافة إلى عزوف القوى العاملة النسائية عن العمل وبحث الأسباب وتذليل العقبات. ففي النهاية يظل قطاع التجزئة من أهم القطاعات التي تمتص بطالة المرأة وتدعم الاستهلاك الداخلي للدولة.
والله الموفق،،