اعيد ارسال ما تمَّ نشره في الاثنين الفائت لسبب وجيه يدركه القارئ اللبيب ،
فقد نشر الموضوع بشكل مختلف وحُذف منه كثير من مادته العلمية ، فوجدنا أن أمانة الكلمة تقتضي اعادة النشر من جديد
مع الاعتذار من القارئ الكريم والله الموفق ...... ...
موضوع التحرش الجنسي ليس بالسهل، أذا ما أراد الباحث التحدث عنه بأسهاب، لأنه يختلف وفق الجغرافية والوازع الديني والأجتماعي وقوة السلطة الحاكمة في المجتمع، كما أنه مرتبط بالمستوى المهني والأجتماعي للطرفين، فيتحمل الضعيفُ الضررَ، ويحاولُ ألتسترعلى ما أصابه، حتى لا تتفاقم المشكلة وتصل الى العائلة ، ويتناقلها أفراد المجتمع . والواقع ان التحرش مصطلح ليس سليما لغويا ، فهو بلغة الجذور يشير الى المبارزة واثارة العداء بين الدِّيَـكــة ، وهو تهارش معروف في افغانستان وكثير من البلدان ، وقد حرَّمـه الاسلام تحريما قطعيا لأنه يتنافى مع مبادئ الرفق بالحيوان ، والتي أكدهــا الاسلام وحثَّ عليهــا ...
لذا ومن الرؤية الجذورية كان لزاما علينا تحرير المسألة للتفريق بين الجذرين ( ج م ش ) و ( ح ر ش ) فالاخير خاص بالديوك والاول ( ج م ش ) يطلق على محاولات استثارة الانثى عموما كما يفعل سفهاء القوم من اطلاق عبارات الغزل الساقط ، والذي قد يصل الى الايذاء الجسدي للفتاة ، ولا ذنب لها الا أنها ولسبب من حظها العاثــر مرَّتْ بحانب سفيهٍ ما ومن أسمائه أيضاً الخنع والدهفشة ، وهي التجميش . ودهفش المرأة إذا جمَّشها ( تحرّش بها بلغة اليوم ) !!! ومن شواهد الجذر ( ج م ش ) ما قاله الاديب اللغوي ابو منصور الثعالبي ، صاحب فقه اللغة رحمه الله ( ت 429 هـ ) :
النورُ يفتنُ في التجميشِ عُشَّاقَهْ
والريحُ تنثرُ بينَ الجو أوراقَهْ
وللرياضِ أزاهيرٌ مُشَوَّقــــــــــةٌ
تحكين لفظَ ابنِ مشكانٍ وأخلاقَهْ
وقال أبو نواس الحسن بن هانئ في التجميش :
وخود أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زين السكرَ الوقارُ
وهز المشي أردافاً ثقالاً ... وغصنا فيه رمان صغار
وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التجميش وانحلَّ الإزار
فقلت: الوعد سيدتي. فقالت: ... كلام الليل يمحوه النهارُ
وقد عُرفَ التحرش الجنسـي في الموسوعة الحرة، على أنه مضايقة او فعل غير مرغوب فيه من جنس على الجنس الآخر، يظهر بهيئة أفعال من الأنتهاكات التي قد تتطور الى مضايقات اكثرعنفاً تتضمن الفاظاًً ،
جنسية غيرلائقة او قل أباحية يستخدم فيها النشاط الجنسي ..وخادشـةً للحيــاء ، ولذا أعتبر التحرش عملاً مشيناً غير مباح في كل القوانين والأعراف الدولية .. لأنه يسبب الأذى الجنسي والنفسي للضحية .
كما عَرفَ المركز المصري لحقوق المراة، على انه كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو
" يعطيها أحساساً بعدم الأمان"، وانني أؤكد كشاهد عيان ان التحرش قد يكون من الأنثى وقد يصل الى حالة الأجرام !
وخير شاهد على ذلك قصة سيدنا يوسف عليه السلام لما راودت زليخـة - أمرأة العزيز - فتاها عن نفسه، وأبى أن يستجيب لها كما جاء في سورة يوسف حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام :
((وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغَلقت الأبواب وقالت هيتَ لك قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي أنه لا يفلح الظالمون )) . (سـورة يوسف \ الآية 23)
كما ذكر (فرويد، عالم الجنس اليهودي المعروف) .. أن استخدام سطوة الرجل في ممارسة الجنس بالغصب، أي من دون رغبة الأنثى، حتى لو كانت زوجته، يُعتبر أغتصابا ، وهو شكل من أشكال العنف النفسي .. يوسم به الشخص الذي يجبرغيره على تلبية رغباته، فيتسبب عن ذلك صدمة نفسية قد تؤدي الى القلق او الأكتئاب ...!
رغبت في تدوين ما تسببه هذه الظاهرة من بلاء، حيث سجلت مشاهداتي ودونت العديد من القصص التي كانت تنشرها الصحف والمواقع الألكترونية التي يتقزز منها الأنسان السوي ..
كما دونت الكثير من الملاحظات كشاهد عيان عند تجولي كسائح أومقيم في عدة أقطارعربية، وما تنشره الفضائيات عن التحرش في اقطار أجنبية متعددة،
ووجدت أن ذلك هو من أصعب ما يعانيه الكاتب عندما يتطرق لموضوع يمس المجتمعات الأسلامية والعربية في تكوين بنيتها السوسيولوجية .. حيث يعتبرها البعض تطاولا من الكاتب إذ يقدم لقمة سائغة للأعداء حتى يشمتوا فينا ويعيبون علينا حياتنا، ولذا نجد انتشار معاناة كتاب مقالات َجلد الذات، من دون تقديم اية وصفة مُجدية لحل المشكلة التي يطرحونها ، فمثلهم مثل الطبيب الذي يشخص المرض ولا يصف العلاج .
كافة المجتمعات منذ فجر التاريخ الى يومنا هذا فيها الحسن والقبيح!،ومن لم يستوعب ذلك عليه بقراءة الكتب التاريخية التي تتحدث عن تسلط المستبدين من الحكام على الرعية، او ليتذكر المسلسلات التركية مثل حريم السلطان أو فاطمة .... الخ ليرى أنواعاً من التحرش الجنسي والأغتصاب ما تقشعر له النفوس !
لا أريد أن أسرد العديد من الأمثلة حتى لا أبتعد عن الموضوع .. . وسأسرد حادثة مؤلمة وقعت لأحد معلمي المدرسة الأبتدائية الغرباء في ناحية (..) قصّها عليّ الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر ، من العراق ، وهــو
أستاذ جامعات بغداد وطرابلس وصفاقس / سابقاً ، قال لي :
فقد كان يمر ظهر كل يوم على أمرأة خبازة مطلَّقة تقطن مع ابنتيها في أحد الأحياء الشعبية .. ليشتري منها الخبز الحار! .. ومن سوء حظه أن مرضت الخبازة في أحد الأيام .. ولم تكن قادرة على تسليم الأستاذ أرغفه الخبز، ولذا طلبت من أبنتها الأصغر تسليم الخبز للمعلم من وراء الباب!،حتى لا يشاهدها أحد المارة، الا أن جينات الأنوثة تفجرت او قل هاجت،وأطلت البنت بكامل جسدها الثائر! .. فبادلها التحية،وأستلم منها الخبزبأمتنان وبعبارات منمقة هزت أشجانها، وراح يردد اغنية،ناظم الغزالي :
(من ورا التنورتناولني الرغيف ..)، ومن سوء حظه أن يمُر في تلك اللحظة أحد أبناء المحلة،ويلتقط مشهد المعلم المترنح فرحاً .. ويستنكرهذا العمل المعيب!وينتشر الخبر في ارجاء المدينة مؤطراً بأشاعة قذرة حول علاقة سرية بين المعلم والفتاة الكبرى! .. ورغبة الأم في تزويجها له، ولهذا هرع أصدقاؤه لأخراجه بسرعة من المدينة، لأن المرأة الخبازة هي طليقة أحد شيوخ المنطقة .. والبنت تعتبرعُرفاً زوجة لأحد أبناء عمومتها، وأذا ما وصل الخبرالى شيخ القبيلة،فسوف يأمر أحد أولاده بغسل العار، ويستبيحون دمه!، وهكذا تم تسفير المعلم من المدينة ليلاً .. ولجأت الأم وأبنتاها الى المختار من أجل حمايتها وابنتيها من القتل، وهذا مايعرف بـ (الدخيل)، ولكن وبطريقة ما، تمكن أثنان من ابناء عمهن من قتل الأم وابنتيها، وكنت شاهد عيان للجثامين أثناء وضعهاعلى سطح سيارة الأجرة (التكسي) ومغادرتها من أمام دار المختار متوجهة الى مركز اللواء (المحافظة)، لأجراء فحص الطب العدلي، وبعد أيام تبين أن البنات صاغ
سليم!، لم يمسهن بشر،أي (بُاكرات عذراوات )، وهكذا راحت الأم وابنتاها ضحيةً بسبب اشاعة سببها ظاهرة التحرش ( أو التجميش غير الاخلاقي ) بل لنقل التجميش الارهابي الهادم .
وقال لي البروفيسور جعفـر مضيفا في الموضوع عينه : في سنة 1961 كنت طالبا في موسكو، واشتقت لزيارة الأهل في العراق .. والتقيت في مسقط رأسي بكل زملاء الطفولة، وغاب عن الجمع أحدهم، كنت على علاقة حميمة معه .. ولما سألت عنه .. قيل أنه مشلول ،،،
صممت على زيارته، وعرفني!، حيث بانت على وجهة الفرحة وبطريقة الأشارة راح يسرد قصته .. ألا أنني لم أفهمها! .. ولما خرجت حدثني قريب له عما حدث لزوجته عندما تحرش بها رجال الأمن ودافعت عن نفسها، وكادت أن تقتل من هَمَ بأغتصابها، فتعرضت لأبشع العقوبات ودون تلك القصة الشاعر الحلمنتيشي الشعبي ) فقال : (
سمعت ليلاً عــــواء للكلاب = وطرقاً على الباب .. بلا هــــواده
فخرجت بملابس النوم مذعورة = وفتحتُ الباب من دون أرادة
وأذا بزمرة من الرفاق تطوِّقني= وقالوا اركعي لأصحاب السيادة
ونادي على زوجك بسرعة= فأشرت لمشـلول راقداً على السجادة
فشعرتُ بلطمة على خدي = وطرحتُ أرضاً بلا وسادة
وهم بقوة لمضاجعتي فأبيتُ= وصرختُ بعبارات العبادة
وبقوة الحق رجمتُ الزاني بصخرة = فـراح يزحف ، كالجرادة
ومن ذكريات التحرش العذري حدثت في اليوم التالي لوصولي موسكو لإكمال دراستي العليا في 1/11/1960. ففي ذلك اليوم توجهت برفقة أثنين من الزملاء للتسكع في الساحة الحمراء التي تعتبر مركز مدينة موسكو في تلك الحقبة من الزمن .
لم يكن لأي منا نحن الزملاء الثلاث أية خبرة او دراية بطريقة التحرش لتكوين صداقات مع الجنس الآخر، فقد سمعنا الكثيرعن الحياة في موسكو،الا أن الواقع غير ذلك!
فما أن وقفنا مبهورين أمام الضريح المسجى فيه مؤسس الأتحاد السوفيتي الرفيق لينين والرفيق ستالين .. حتى وجدنا أنفسنا وجهاً لوجه أمام ثلاثة فتيات في مقتبل العمر تطفح على وجوههن الصحة والسعادة، .. فراح كلاً منا يبحلق فيهن (كالأطرش بالزفه)، وهن في مرح يوجهن الكلام لنا ولم نفهم أي شيئ! .. واخيراً التقط احدنا ماكن يرغبن في معرفته! .. فقال لهن باللغة الأنكليزية نحن طلبة بعثة من العرب لأكمال دراستنا العليا .. فأزداد إعجابهن .. وبلغة الأشارة لزق كلاً منا بواحدة (التصاقا وقحا)، ثم طلبن مرافقتهن للتسكع ومشاهدة أشهر مخزن في موسكو آنذاك الموسوم بـ (الكوم) القريب من شارع مكسيم غوركي .. فدبت الفرحة فينا .. وبلغة الأشارة تمكنا من أن ندخل برفقتهن لأحد المطاعم في شارع غوركي المشهور بأكلاته الشرقية ، ونسجل هذا دليلا على الفردوس الموهوم الذي بناه أحفاد ماركس ولينين ، وما بنوا سوى الخزي والعبث والفضائح والتسول ، وقلنا يا سبحان الله ، ان ما نعتبره محرما في عالمنا العربي تسعى اليه هنا السيدات بأرجلهن واغراءِ أجسادهن لكسب لقمة عيشٍ بأتفه الاساليب وأخسّـها في مجتمع المشاعية الكبرى ، وقد ذكرني كلام أخي د\جعفر بشعر تميم الفاطمي ( ت 374 هــ ) :
خذها أَلذّ من التجمِيش والقُبَلِ= ودَعْ ملالَك إِن الدهرَ ذو مَلَلِ
كأن ضجّة صوتِ الطبلِ بينهما= لا باركَ الله في العُذّالِ والعَذَلِ
وغُدوةٍ حَطّ فِيها اللهوُ أرْحُلَهُ= بِناعلى الراحِ والريحانِ والغَزل
والنايُ يشْكُوإلى المثنَى صبابَتَه=شكْوَى المحبّ إلى المحبوبِ في مَهلِ
أما نحن – أمة عدنان وقحطان – فإنَّ قصص التجميش كثيرة في تاريخنا الادبي ذكرَ طرفاً منها الاصمعي في أدبياته وأبو نواس الشاعر العباسي المنسوب ظلما الى سيدنا هارون الرشيد وهو بريء من صحبته ومعرفته ، ولا تربطهما أي صلة على التحقيق ، وافترى مشعوذو الأدب والرواية أحداثا ملفّقة نسبوها لهارون وأبي نواس عن الخلاعة والتجميش الوقح الذي لا يليق بالسوقة ، فما بالك بنسبته الى خليفة كان يحج عاما ويغزو عاما في سبيل الله ، بل أثر أنه حجَّ ماشـياً ...
وأنا العبد الفقير لي قرية صغيرة لا تزال بخيرها ولا يعكر صفوها وسلامها الاجتماعي الا بعض الحوادث ، منها حادثة جرت عام 1988 وسببها التجميش الجنسي الوقح ، قام به شاب غريب عن القرية يعمل حدادا ، جَـمَّـش فتاة من عِـلْـية القوم ، وسمع أهلها ، وذبحوها دونما تأكد من الوقائع ، هكذا ذبحوها وكأنها نعجة على مذبح القبيلة ، ولم يكن بينهم رجل رشيد كعادة الاحتكام العشائري الهمجي ، وغسلوا العار بقتل فتاة بتول طاهرة ، بل هي أطهر من لحاهم وشواربهم التي يزدهون بها ، وينتخون معربين عن رجولتهم ! وصنعوا الطعام في ظهيرة شهر رمضان ابتهاجا ، بل بلغت القـحـة أن الأب عاتبني لِـمَ لم أزرْهُ !!! فقلت له يومهــا عبارة لا أزال أذكرها ويرددها كثيرون ممن سمعوها آنذاك مني : احترتُ كيف آتيك ، بصفة المهنّئ أم بصفة المُعَـزّي !
حاشية :
(1قال ابن المستوفي في شرح النظام لاشعار المتنبي: قال أبو العلاء: زعم قوم أن (التجميش) كلمة مولدة، وإنما يراد بها قرص غير مؤلم .
وقال الواحدي: ويروى (يجمشك الزمان وأنت حرٌّ). و(التجميش): ضد المغازلة. وهي الملاعبة بين الحبيبين. يقول: الذي أصابك تجميش من الزمان حبّاً لك، لأنك جماله (وأشرف أهله)، وإن تأذيت به فقد يكون من الأذى ما يكون مِقَة من المؤذي .
والذي قرأته (يجمشك الزمان هَوىً وحُبّاً). ويروى (يجمشك الزمان هوى وشوقاً ) .
وروى أبو البقاء: (يجشمك الزمان هوى) وقال:
يجمشك الزمان ، أراد يجشمك من الجشم وهو التكليف بامر مرهق : يكلفك، وهوىً وحبّاً: مفعول ثان.
وفسره أبو زكريا على معنى: يجمشك: يغازلك . ولقد خالف الصواب فالتجميش مضاد للغزل .
وقيل: هو الإصابة بألم يسير. فعلى هذا يكون (هَوىً وحُبّاً) تمييز. وعجز البيت يلائم هذا المعنى، لأن العضّ والقرص في الغالب يكون من المحب .
والذي وجدته في النسخ (يجمشك) وهو المعنى الأول.
قال المبارك بن أحمد: كان في نسختي المصححة (يجشمك) بتقديم الشين على الميم. وقد أصلحها بقوله: (يجمشك) بتقديم الميم على السين. وهو الذي عليه المعنى لا غير. وكذا قرأته على شيخنا أبي الحرم مكي رحمه الله.) وقيل أن التجميش بالأصل يفيد حلاقة شعر العانة ، أو نتفها ، ومن المشاكلة بين هذا الفعل وبين معاكسة النساء أطلقوه هنا ونســوه هناك ..