أنهى تعليقه عن فستاني الأسود الذي لم يتجاوز طوله ركبتي ببعض السنتيمترات قائلا :" إغفري لعيني إنني رجل "
لا تطلب الغفران يا صديقي إن الرجولة لا تحتاج إلى براهين ولا تحتاج لفساتين مثيرة تُلهي نظرات عينيك عن جمال الحياة ، تلك العيون التي تتراقص فرحا حين تبعثر خطوات إمراة كادحة تمضي من مكتب إلى مكتب آخر محملة بحزمة من الأوراق و الشهادات الجامعية تشتهي الخبز الكريم .
لا تتحاذق يا صديقي، إني لا أهتم بعدد المرات التي فتحت فيها سحاب سروال جينز الأزرق لترسم نصرا على جسد ممشوق تغطيه السمرة أو البياض .و لا أهتم بعدد اللواتي رفعن أصواتهن على سريرك المطرز بأحلى الشراشف ... سريرك الذي أضحى مركزا للعلاقات المحلية و الإقليمية.
عيناك اللامعة تشهد بأنك عشيق برتبة ديبلوماسي محترف يجيد قواعد التوافق و يجيد آليات إلقاء الخطب الافتتاحية و الختامية و له باع في إدارة قواعد فنون المفاوضات.
أعلم جيدا أنك تحافظ على قيافتك و تناسق ربطة عنقك مع سترتك الزرقاء التي تخفي قلبا لا ينبض لعقول النساء.
وأعلم أيضا أن رغبات رجال الشرق لا يوقف سيلانها جبال الأطلس الكبير و إن حٌملت صخورها بأجمل الحوريات.
دع عنك عبارات الاعتذار الجميلة التي تعودت إلقائها بلكنتك الفرنسية أو العربية حسب مزاج مستمعاتك أو حسب المهمة الموكلة إلى رغباتك.
لا تغضب من حديثي، ولا تدعوني بحمقاء أو بلهاء لا تعرف ايتيكات شرب قهوة مسائية مع رجل شرقي يريد سماع قصص تثبت الطهر والعفة و يريد طرح أسئلة تؤكد في آخر المطاف بياض تجربتي و تجعلني أرقص حين يبدأ برسم لوحاته الزهرية .
آسفة يا صديقي إني لا أجيد دور القداسة و لا أعرف لعب دور غزالة مرتعشة تحاول الهروب من صيد مفترس.
إني صاحبة قلم و كراس يملآن حقيبة ظهري السوداء، أضعهما قبل أحمر الشفاه و قبل كحل العين و قبل العطر .
إني أحمل جواز سفر لعنت به حدود القبيلة و لعنت به وصايا رجال الشرق، إني أحمل وجعا أكثر سوادا من كحل العين. أو تعلم أن رائحة الكلمات أكثر رقة من عطر باريسي ؟
أو تدري بأن الوقوف عند المواصلات العمومية يغنيني عن كعب عال أختال به بين شوارع المدينة ؟
لو جربت فعل شوق للخبز لوجدته أكثر إثارة من فستاني القصير ؟
لا تغضب يا صديقي و لا تدعوني برجل، إني أكره التشبه بالرجال ليس خوفا من رب العالمين بل كرها في أن أحمل شيء يجبرني على تقديم براهين شيء يجعلني أقضي ليالي حمراء و صفراء و زرقاء و سوداء أداعب هذه و ألهو مع تلك وعند الصباح أجد الغفران من إمام الجامع و ألقى الصفح من أبي و عمي و خالي مرددين: ما بالكم أليس برجل ؟.
فسبحان الذي يمحو خطاياك و لا يمحو خطايانا.
تكفيك عبارة رجل لتمر كالملاك أمام حراس القبيلة ، يكفيك لبس البطلون لتمضي هادئا تحت ضوضاء المدينة ،التي تجعلني أرهول نحو قطار الساعة السابعة هروبا من معاكسات جالسي محطة القطار برشلونة بالعاصمة تونس .
يكفيك صوتك الخشن و كلماتك النابية ليقال عنك "فحل" و أن تجالس خلانك في إحدى المقاهي حين أمر أمامكم و أنا أسأل الله أن يزلزل المكان ذلك المقهى فوق رؤوسكم لتخرس ألسنتكم عن ذكر أخبارنا .
لا تذكرني مرة أخرى بأنك رجل ...إن أعانيه من رجولتكم هو أول البراهين.