الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

كسرالقيود الحريرية والحديدية في كتابة المرأة (2)

  • 1/2
  • 2/2

دبي - " وكالة أخبار المرأة "

مصطلح الجرأة حين نصف به عملا أدبيا وخاصة العمل الذي تكتبه المرأة فإننا نعني به أن الكاتبة فكت عن أصابعها وفكرها قيودا حريرية وحديدية كثيرة وهي تكتب، لكن مفهوم الجرأة يختلف من كتابة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر ومن متلق إلى آخر أيضا، فكلمة "أحبك" مثلا في كتابة المرأة قد يعتبرها قاريء منتهى الجرأة، والخروج عن المألوف في حين قد يعتبرها آخر كلمة عادية ولا تشير إلى الجرأة واجتراح الممنوعات.
كتابة الجسد هي محاولات قامت بها بعض الكاتبات العربيات للتعرف على هذا المفهوم الذي ظلت الرؤية الذكورية تسيطر على جوانبه وتخضعه لثقافة أحادية يتسلط فيها الرجل ويخضعها لقوانينه الخاصة بحيث ظهرت الأنثى في الرؤية الذكورية لموضوعة الجسد كمتلق للفعل الجنسي ومفعولا به، ولم تحضر كذات مؤثرة وفاعلة.
في السنوات الأخيرة حضر الجسد في الكتابات النسائية التي اتصفت بالجرأة لتندد بقهر الرجل وتفصح عن رغبتها في كشف الممارسات التي تتم على جسد المرأة أو التي تركز على تكريس الأنوثة في الجسد فقط، أو التي تقيد جسد المرأة درءا للإثم بمقابل حرية الرجل في ممارسة حريته الجسدية الكاملة والتعبير عن هذه الحرية وعما يريده وما يرغب به في جسد المرأة.
الكاتبات الجريئات كما تم وصفهن هن اللواتي خطون بلا خوف من أي رقيب تجاه وصف الجسد والحواس في كتاباتهن وجعلن جسد المرأة راغبا وفاعلا في محاولة لتغيير الصورة النمطية للعلاقة الجنسية في أغلب كتابات الرجل عن المرأة وحتى تلك الصورة الراسخة في الأذهان عن اعتبار المرأة جسدا متلقيا للفعل الجنسي فقط.
الروائية والصحفية السعودية زينب حفني التي ولدت في جدة 1965 من الكاتبات اللواتي اخترقن بجرأة التابوهات المهيمنة على العقل العربي، وأصبحت كتاباتها محل جدل كبير، بسبب دخولها بجرأة عالم الممنوع والمحظور خاصة وأنها ابنة مجتمع محافظ، فهي تستخدم الجنس بشكل مكثف في رواياتها ومجموعاتها القصصية مثيرة بذلك حفيظة الكثيرين الذي وصفوا أعمالها بالركاكة والضعف قائلين بتوظيفها الجنس لإخفاء التفكك السردي في كتابتها.
"نساء عند خط الاستواء" مجموعة قصصية للكاتبة صدرت عام 1996 ونشرت في طبعات كثيرة على أثر إيقافها عن الكتابة مدة ثلاث سنوات ومنعها من السفر خمس سنوات، وقد لاقت بسببها الكاتبة هجوما عنيفا من الوسط الثقافي السعودي والوسط الاجتماعي المتشدد حتى وصل الهجوم إلى الحد الذي وصفت فيه الكاتبة بأوصاف بشعة ومؤذية نفسيا.
وعن منعها من السفر وإيقافها عن الكتابة قالت الكاتبة في لقاء مع صحيفة سويس انفو "كان الغرض من هذا القرار لربما امتصاص غضب المجتمع السعودي لكن هذه التجربة رغم قساوتها، كانت بالنسبة لي تجربة ثرية جدا علمتني أن الإنسان إذا كان يؤمن بالمبادئ في حياته لا يمكنه أن يحققها بسهولة".
شخصيات المجموعة نماذج نسائية تنتقد من خلالها الكاتبة حال المرأة وتهميشها في المجتمع السعودي تحديدا وكبت حرياتها في المجتمع العربي، وقد قدمت زينب حفني مشاكل المرأة المرتبطة بالجنس في قصص المجموعة بلغة وطرح جريئين ورؤية ناقدة ولاذعة لا تخلو من التمرد على الإطار الذكوري الذي يضع المرأة موضع الآخر الدون والنصف المشلول.
وقد تعرضت زينب حفني بعد صدور المجموعة إلى انتقادات رجال الدين عندما تطرقت الى موضوعات المرأة مثل وضع المرأة بعد الطلاق وعلاقتها مع زوجها والعلاقات المحرمة في المجتمع والخيانة الزوجية، والملل والفتور الجنسي بين الأزواج الذي يؤدي إلى إقامة علاقات خارج إطار الشرعية الزوجية، وتحدثت الكاتبة في مجموعتها عن العلاقات المثلية بين النساء محققة بهذا صراحة وشجاعة أدبية وإنسانية لم يعتد عليها القاريء العربي فيما يطالعه لكاتبات عربيات، ولعل أكثر ما أثار استغراب الكاتبة وأثر في نفسها انتقادها من كاتبات ونساء تشدقن بحرية المرأة في كتاباتهن وحياتهن حتى أنهن طالبن بتطبيق عقوبة قاسية على زينب حفني وهذا ما يجعل الطريق الذي ستسلكه المرأة الكاتبة للتعبير بجرأة عن نفسها أكثر وعورة ومحاطا بالصعوبات المركبة إن جاز التعبير.
من قصة في المجموعة عن العلاقات غير الشرعية نقرأ: "تنهدت بعمق، تذكرت أوجاعها، تمرغت ثانية في أوحال همومها، نظرت لساعة يدها، ما زال هناك متسع من الوقت لحين رجوع طفليها من المدرسة، شعرت بالضجر، لبست عباءتها، لم تكن تدري أين تذهب، شعور بالقرف والغثيان من كل شيء ملأها، رغبة في الهرب من واقعها الأليم، اعترض طريقها ابن صاحب البيت، ابتسم لها، سهامه الفتية اخترقتها، نظراته الجائعة التهمتها، لوح لها بيده، تبعته، انساقت خلفه إلى غرفة المخزن بالسطح، كور جسدها عند إحدى الزوايا، أفرغ شهوته على عجل في عمق أنوثتها، استسلمت له مكرهة، وقد وارت وجهها الباكي بوشاحها الأسود، قام مسرعاً، شد سرواله لأعلى خصره، دس يده في جيبه، دون أن ينظر نحوها، ألقى إليها بحفنة من النقود، مدت يدها في حركة مسعورة، أطبقت عليها بأصابعها المعفرة بأربة الغرفة، وقد فاحت في المكان رائحة عرقها المحترقة بجمرات الخطيئة".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى