كنت أسعد بالحديث معها. واحدة من قارئاتى، فى الثلاثين من عمرها، تمتلئ شغفا وإقبالا على الحياة. وكنت أبتسم فى تسامح، عالما أنها الهدنة المؤقتة التى تمنحها الحياة لأبنائها فى باكورتها، حين تتجمل وتعدنا بأمنيات أعلم جيدا أنها لن تتحقق. نادرا ما أجد هذا الشغف فى رجل أو امرأة جاوزا الأربعين.
لكن هذا الصباح كان مختلفا. بدت لى كلماتها مقتضبة ومبتورة وخالية من الشغف. وكنت أعلم ظروفها المؤسفة. مطلّقة منذ أن كانت فى العشرينيات من عمرها، لكنها قررت أن تنهض بابنها، وتنفق على نفسها، وتيمّم وجهها صوب الحياة. الجمعة الماضى مثلا أخبرتنى أنها أوغلت فى البحر مع أصدقائها، وشرعت تصف لى الزخم الأزرق والقارب يمخر عباب البحر الذى يحيط بها من كل اتجاه.
■ ■ ■
فلماذا انطفأت هذا الصباح؟ الموضوع مؤسف وملأنى غضبا حين عرفت تفاصيله. طليقها يهددها إما بالعودة إليه أو الإيذاء! والعودة ممتنعة لأنه مدمن! وتهديداته لا تتوقف. هى فى داخلها مؤمنة بأنه لا يريدها، ولكنه يستكثر عليها الفرحة، وأنها استطاعت أن تنهض بابنها فى مواجهة الحياة. سألتها: «هل أنت خائفة؟». كنت أتوقع أن تجيبنى بالنفى، كونها امرأة شجاعة، استطاعت أن تتجاوز التجربة المؤلمة.
لكن إجابتها كانت للأسف: «نعم. أنا خائفة جدا. لقد كان (كف) واحد منه يطرحنى أرضا».
واستشطت غضبا حين سمعت إجابتها! كيف سكتت على حقها؟ ولماذا لم تبادر بعمل تقرير طبى وإبلاغ الشرطة؟ قالت فى بساطة إنها تتورع أن تفعل ذلك مع والد ابنها!
منطق عجيب جدا! ويزيد من غرابته أنه لا يتورع عن ضرب أم ابنه! لم أقتنع وقلت لها فى حزن إن عمق المشكلة أنها تقبل أن تكون مادةً للضرب، وهذا ما لا أستطيع أن أهضمه بحال.
اعترفت بصراحة أنها اعتادت منذ صغرها فكرة أن الرجل يضرب المرأة. والدليل أن والدها كان يضربها لإرضاء زوجته الأخرى! مرة كسر لها ضلعين! ومرتين كسر لها يدها وكاحلها!
■ ■ ■
الموضوع مؤسف ويثير غضبى إلى حد الجنون. إنسان مكرَّم، خلق الله الكون من أجله، وأَسجَد له الملائكة، كيف تصبح مادةً للضرب على يد مرضى نفسيين؟ وكيف يفلتون بجرائمهم دون عقوبة رادعة؟ وكيف لا يتكاتف المجتمع بأسره لمساندة المُستضعفات من النساء وإيقاع العقوبة بالمعتدين؟
■ ■ ■
ولكن دعنا من الحديث المرسل ولندخل فى اقتراحات محددة:
أولا: برامج التوك شو التى تنز صديدا! لماذا لا تفعل عملا نافعا لتوعية النساء وإرشاد المستضعفات إلى حقوقهن؟
ثانيا: لماذا لا يتطوع محامون فى كل مدينة مصرية لمساندة ضحايا العنف؟ وتتم مساعدتهن حتى يجدن عملا يعلن به أنفسهن من خلال الجمعيات الأهلية والتبرعات الفردية؟
لا أتصور أن القانون يسمح مطلقا بضرب النساء! وغير مقبول أى تبرير أو تمسّح بالشرع! الضرب ضرب ويجب أن يُعاقب فاعله. وتزداد فداحة الجريمة إذا ترتب على الضرب إيذاء بدنى. من يفعل ذلك يجب أن يدفع ثمن ما اقترفت يداه، حتى لو فعل هذا أبوها، وليس فقط زوجها.
■ ■ ■
كرامة الإنسان لا تتجزّأ ولا تقبل المساومة. وإلا فلماذا نلوم الحاكم على التنكيل بخصومه وهو يملك أدوات السلطة الحقيقية؟
والذى يثير الغثيان بحيث يجعلنى أتقيأ أن أشباه الرجال هؤلاء لا يستقوون إلا على النساء الضعيفات! وترى الواحد منهم أشبه بـ«فرخة» فى مواجهة الأقوياء.
عار علينا لو قبلنا ذلك.