في تصريح للمتحدث الرسمي باسم الانتخابات البلدية، يؤكد فيه فرض غرامة مالية على المرشحات اللاتي يخاطبن الناخبين مباشرة، وطالب بتعيين وكلاءٍ عنهن، ليقوموا بمخاطبة الناخبين الرجال، منعاً للاختلاط. هذا الكلام، أعْقَبَهُ بالتأكيد على عدم التفريق بين المرشحين والمرشحات في المعترك الانتخابي، قبل أن يتساءل في ختام تصريحه عن الفائدة المرجوة من مخاطبة المرشحات للرجال. في المجمل، يبدو الحديث كله متناقضاً، فكيف يمكن أن نتوقع فاعلية مرشحة ما إذا تم انتخابها، وهي غير قادرة حتى على مخاطبة الناخبين، لكن المسألة تتعلق بورطةٍ يستشعرها المسؤولون عن الانتخابات بعد قرار مشاركة المرأة فيها، تماماً مثل أمور أخرى عديدة تخص المرأة، يحصل حولها نقاش اجتماعي، من باب كونها ورطة.
في السنوات الأخيرة، تعزز حضور المرأة في المجال العام، وزالت حواجز كثيرة كانت موجودة، وقد حصل هذا بفعل تضافر عدة عوامل، منها الحاجة الاقتصادية، التي جعلت دخول المرأة إلى مجالات جديدة في سوق العمل أمراً مقبولاً اجتماعياً، إذ لم يعد الرجل وحده قادراً على تحمل الأعباء المادية. كذلك، فإن فتح مجالات التعليم لتخصصات لم تكن متوافرة للنساء في السابق، والابتعاث الذي عزّز قدرة المرأة على التصرف باستقلالية، ووسائل الإعلام وثورة الاتصالات التي سهَّلَت للمرأة التواصل مع محيطها والعالم، أسهمت جميعها في تعوّد الرجال السعوديين على حضور المرأة بشكل أكبر في المجال العام، لكن هذا لم يُوقِف النقاش حول بعض الأمور الخاصة بالمرأة، ولا التخوف مما يمكن أن يحدث في حال حضور المرأة، في أي مكان، واختلاطها بالرجال.
أُقِرَّت مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، ترشيحاً وانتخاباً، لكن منظمي الانتخابات غير قادرين على الخلاص من «ورطة» المرأة، فكيف يكون الوضع لو سمحوا لها بنشر صورها في الإعلانات؟، وماذا سيحصل لو تركوها تخاطب الناخبين؟.
ليست الانتخابات البلدية وحدها الشاهد على فكرة «الورطة»، التي تشعر بها شريحة واسعة من السعوديين تجاه حضور المرأة، فنذكر مثلاً موضوع قيادة المرأة للسيارة، الذي ما زال يثير الجدل بين السعوديين، والحديث المتكرر حول ما يمكن أن نفعله لو قادت المرأة، وكيف يكون الحال مع اختلاط الرجال بالنساء في الشوارع؟، وكيف ينتظم السير؟.
هذه الورطة غير واقعية، وما حصل مع دخول المرأة إلى مجالات جديدة في سوق العمل، وانضمامها إلى مجلس الشورى، خير دليل على عدم واقعية هذه المخاوف، فالمرأة في مجلس الشورى تشارك بكل احترام مع زملائها في الجلسات، وتُقدِّم الرأي والاقتراحات، ويمر الأمر بشكل اعتيادي حالياً، رغم النقاشات الواسعة التي سبقت مشاركتها في المجلس، حول كل المخاوف المُحتَمَلَة، وهكذا، فإن كل ما سيحدث مع حضور المرأة في أي مكان جديد، هو سير الأمور بطريقة اعتيادية، ما سيجعل نقاشات الخوف من الورطة، غير ذات أهمية.