يمرّ العرب والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، أي مقيمين ومهاجرين، بحقبة ليست مظلمة فحسب، بل وظلامية أيضاً. وقد بدأت هذه الحقبة مع بداية ما سميّ "الصحوة السلفية"، وتعمّقت مع تعمقها. وتتجلى أكثر ما تتجلى في أمرين: بـ"عورنة" المرأة بالكامل، وبـ"عورنة" التفكير أو العقل، وتكفير المخالفين أو المختلفين وإهدار دمهم، وتخريب المناهج والكتب المدرسية والتعليم التي سيطروا عليها، وتخريج أجيال من الإرهابيين.
إن بناء المرأة المسلمة للمجهول، أي محاولة تغييبها عن العيون، هو المثل الأعلى الأول والجامع المشترك الأعظم عند أهل تلك "الصحوة" أو مفكريها. أما المثل الأعلى الثاني عندهم، والوثيق الصلة بالأول أو مبني عليه وربما منشق منه، فهو "عورنة" التفكير أو العقل، لصالح النقل مهما سف وانحدر، وإلا لماذا يقطعون الرؤوس؟! كما أنهم يدفعون باتجاه استعادة عصر الإماء والجواري أو الحريم والغلمان، كعلامة -عندهم- على استكمال الصحوة.
تروي داليا التي عرفت نفسها بهذا الاسم، والتي تمكنت من الفرار من العذاب التي مرت به في أسر "داعش"، لصحيفة تركية: "كان يأتي إلى سجننا وبشكل يومي قادة داعش ومن بينهم أتراك وألمان وشيشان يقومون بشراء واحدة منا بما في ذلك بنات من سن 12–13 سنة. وقد أخذني أحد أفراد داعش من الطائفة التركمانية إلى بيته في تلعفر حيث بقيت خمسة أشهر. وفي أحد الأيام وصل أحد أفراد داعش ويدعى أبو مصطفى وأخذني من أجل أن يقدمني كهدية لأحد الأفراد من أصل شيشاني يدعى أيمن... وبعد ذلك احتجزني في بيته على مدار ثلاثة أيام ثم قام باستبدالي بفتاة يزيدية أخرى...".
يبدو أن تلك "الصحوة" الدينية التي حاولت أسلمة كل شيء حتى الإرهاب، تؤدي في كل مرة تقع فيها إلى استعادة التخلف الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي، والإصرار عليه، والموت والقتل في سبيله، والتركيز على العبادات دون المعاملات، تحت ستار العودة إلى الدين الصحيح الذي لا يعرف أحد نسخته أو لا يتفق عليه اثنان، أو إلى استعادة الماضي التليد، أو العصر الذهبي المجيد الذي لم يكن كله تليدا أو ذهبيا مجيدا سوى بالانتقاء أو بالاستثناء والتعامي.
يرافق الصحوة -دوماً- انفصال تام أو انفصام بين القيم والمثل المدّعاة أو المرفوعة باللسان ومن على المنابر والفضائيات، كالصدق والأمانة والخير والحق والعدل والمساواة والرحمة والسلام. وبين الممارسات اليومية المنتهكة لها في كل قطاع وعلى كل صعيد، والتشجيع على انتهاكها اليومي بتسهيل التكفير عنها والغفران لأصحابها في الدنيا والآخرة بـ"صكوك غفران".
ويرى رموز "الصحوة" وأتباعهم في فرض مظاهرها وطقوسها، كالحجاب والخمار والنقاب والجلباب والوصواص... على نساء المسلمين في الغرب وعلى نساء مواطنيهم من الأقليات الدينية، وربما حرق كنائسهم كما حدث في مصر، توكيدا لنجاح الصحوة.
لقد أدت الصحوة السلفية التي تلت هزيمة حزيران 1967، وتواطؤ الأنظمة المهزومة معها، إلى إنتاج نفايات إرهابية يعاني العرب والمسلمون والعالم منها. ترى كيف يكون موقفك من الإسلام والمسلمين إن لم تكن مسلماً وتفرجت على سيناريو إرهاب "داعش" و"طالبان" و"القاعدة" و"جبهة النصرة" و"بوكو حرام" و"الشباب" الصومالية... اليومية؟!