ظهور مقوّسة وسواعد نحيلة أطبقت أطرافها على آلات الحفر والتكسير، لنساء بورونديات يعملن على تحويل الحجارة الصلبة إلى حصى صغيرة.. نساء يجبرهن موسم الجفاف الذي يمتد سنويا من مايو إلى بداية نوفمبر، على التوجه إلى الهضاب والجبال المنتشرة في المناطق الغربية للبلاد، يقتلعن الحجارة ويفتّتنها، لتحصيل رزقهن.
مهنة شاقة لا تليق بتلك الأجساد الصغيرة التي تنوء تحت ثقل الحجارة، غير أنّ شبح الحاجة بدا أثقل عليهن من ذلك العمل المضني، بل اللاّفت أنّ بعض أولئك النساء تروقهن فكرة تحدّيهن لنشاط يعتبر حكرا على الرجال.
"هنا، لا توجد فوارق اجتماعية، كما أنّه لا توجد مهنة مخصصة للرجال دون غيرهم".. هكذا استهلت باتريسيا نتاكونكويريكيكرا، حديثها للأناضول، وهي تجاهد من أجل تكسير أكبر عدد من الحجارة في إحدى ودائع "إيساري"، هذه المنطقة التابعة لمحافظة بوجمبورا غربي البلاد، والتي تعدّ نحو 17 موقعا لتكسير الحجارة، يضم كل واحد منها حوالي 50 إمرأة، بحسب باتريسا.
باتريسيا أم لـ 7 أطفال، وتبلغ من العمر 45 عاما، قالت إنها بدأت عملها هذا منذ 5 سنوات، أي حين كان من المستحيل رؤية إمرأة في مثل تلك الأمكنة، مضيفة أنّ الأمر تغيّر نوعا ما، بمرور الزمن، واليوم أصبح الرجال يتقاسمون هذا النشاط المضني مع النساء، فهم يستخرجون الكتل الصخرية والحجارة، والنساء يقمن، إثر ذلك، بتكسيرها إلى حصى صغيرة تستخدم في أعمال البناء.
"إنها مغامرة"، تقول باتريسا، قبل أن تعود بذاكرتها إلى الوراء لتستعرض أسباب اختيارها لهذه المهنة الصعبة.. "حين أدركت أنّ العمل الزراعي لن يمكنه لوحده تلبية احتياجات عائلتي، قررت البحث عن عمل آخر يوفّر لي إيرادات إضافية".
معركة يومية تخوضها باتريسيا بحثا عن لقمة العيش، حيث تخصّص 3 أيام في الأسبوع للعمل في الحقول، فيما تمضي ما تبقّى من وقتها في مواقع تكسير الحجارة. "باستطاعتي الحصول على ما يعادل اقل من دولار واحد لقاء يوم عمل في ودائع الحجارة"، تتابع بفخر، "وبفضل ذلك، أتمكن من دفع الرسوم الدراسية لأبنائي، وابتياع الملابس ومختلف حاجيات عائلتي، دون أن اضطر لمدّ يدي لزوجي".
وتابعت: "اليوم، لدي اثنين من الماعز، وأتطلّع، علاوة على ذلك، إلى إنشاء تعاونية بمعية بعض العاملات في المواقع، للحصول على تمويل ذاتي".
وغير بعيد عن باتريسيا، انكبّت 3 نساء ومثلهن من الفتيات على تكسير الحجارة الصلبة.. إحداهن، وتدعى ماري روز (32 عاما)، قالت للأناضول، إنها مطلّقة ولا أبناء لديها، غير أنها تعمل في ذلك المكان من أجل إعالة والدتها المسنّة. وبابتسامة تتناقض مع ما يلفّ المشهد عموما من عبوس، أضافت: "منذ أن التحقت بهذا الموقع، أضحى بإمكاني ابتياع الطعام لوالدتي، أوليس هذا أفضل من السرقة".
ماري روز أكملت عامها السابع في عملها هذا الذي تكسب من ورائه يوميا ما لا يقل عن دولارين.. مكسب ضئيل غير أنّه كاف بالنسبة لها لتشتري به الطحين والزيت والأسماك الصغيرة وحتى اللحم.. بإمكانها ابتياع ما تريد، بل قالت إنها تتمكن من ادخار البعض من المال لـ "المستقبل"، على حد تعبيرها.
وفي هذا الموقع بأعالي جبال ريف بوجمبورا، تتراءى الأجساد الصغيرة عن بعد وهي تتحرّك بنشاط، شبيهة بنقاط قاتمة تتنقّل على رقعة ناصعة.. نساء وفتيات صغار لازلن يتابعن دراستهن الثانوية، غير أنّهن يضطررن للعمل لكسب بضع فرنكات لاقتناء ما يحتجنه، على غرار أليس، الطالبة بالصف الثامن.
أليس قالت، من جانبها، للأناضول، إنها تقضي أيّام الأسبوع في الدراسة، غير أنّها تخصّص السبت للعمل في الموقع، هناك حيث تمضي ما لا يقل عن 6 ساعات، لافتة إلى أنه "ينبغي على النساء أن يكافحن من أجل لقمة العيش، واكتساح جميع المجالات التي تعتبر حكرا على الرجال"، سيّما وأنّ النساء يشكلن أكثر من نصف السكان في بوروندي، بحسب الأرقام الرسمية في البلاد.
ومع أن العمل في مواقع تكسير الحجارة ظل، إلى وقت قريب، حكرا على الرجال، إلا أنّ الوضع تغيّر اليوم، حيث تقبّل هؤلاء التواجد النسائي بشكل تلقائي، وتقاسموا معهن المهام دون تسجيل أي حوادث تذكر في هذا الصدد، بحسب شهادات لبعض العاملين في الموقع.