تتميز بعض العادات والقيم الاجتماعية الموريتانية بالغرابة مقارنة مع مثيلتها في المجتمعات الأخرى، من بينها "السحوة" التي تحاول الأجيال الشابة التمرّد عليها شيئاً فشيئاً
تطلق النساء في موريتانيا على أزواجهن لقب "هو" استحياءً من ذكر الاسم الشخصي أمام الناس، فالحياء المفروض اجتماعياً يمنع المرأة من مناداة زوجها باسمه. ويأتي احترام هذه العادة كجزء من قيم وعادات "السحوة" (الحياء الاجتماعي) التي تحكم العلاقة بين الأزواج في موريتانيا.
ويحل هذا الضمير الغائب مكان الأسماء الشخصية وأسماء الدلع وألقاب الأب التي تطلق عادة على الأزواج في البلدان العربية، ويدرك الجميع أن المرأة حين تمتنع عن ذكر اسم زوجها وتطلق عليه اسم "هو" فهذا لا يعني وجود خلاف بينهما.
ويقدّر المحيط العائلي حرص الزوجة على هذه العادة، وأي تجاهل لها يضع الزوجة في دائرة الاتهام بالدوس على التقاليد وخدش الحياء، ويعرّضها للعزلة الاجتماعية، خاصةً إذا تكرّر الأمر منها عن قصد.
تقول الغالية بنت زين الدين (37 عاماً، ربة بيت) إن "الجميع ينفر من الزوجة التي لا تحترم هذه العادة حيث يعتبر ذلك استهتاراً بالعادات وتفاخراً في العلاقة الزوجية". وتؤكد أنها وجميع نساء محيطها العائلي يحرصن على عدم ذكر اسم الزوج بل يكنّينه بضمير "هو" في الغالب. كما أن هناك من تفضّل أن تكنّي الزوج بـ "الراجل"، في المناطق الشرقية لموريتانيا.
من جهتها، لم تقتنع خديجة بنت محمد عبد الله (25 عاماً، عروس حديثة الزواج) بهذه العادة لكنها تجد نفسها مجبرة على عدم ذكر اسم الشخص الأحب إلى قلبها. ولأنها حديثة العهد باستعمال هذا اللقب فإنها تتوخّى الحذر خشية أن تقع في "المحظور" من خلال ذكر اسم زوجها علناً، فهذا خطأ لا يغفره الوسط العائلي المحافظ، خاصة إذا ذكرت الزوجة اسم زوجها أمام الكبار والغرباء.
وتقول خديجة إنه "في الجلسات النسائية هناك بعض الزوجات تمرّدن على هذه العادة وأصبحن يذكرن اسم الزوج من دون حرج، لكن هذا التصرّف لا يتجاوز حدود الصديقات، ومنهن من جيل الشباب اللواتي يناصرن تجاوز هذه العادة".
وتشير إلى أنه وبالرغم من حداثة عهدها بهذه العادة حيث إنها نشأت وتربّت في الخارج، إلاّ أنها تحرص كثيراً على عدم مناداة زوجها باسمه، خاصةً أمام كبار السن وأفراد عائلتها وأصهارها، وتتعايش مع هذه العادة على الرغم من عدم اقتناعها بها وتأمل أن يتغير المجتمع ويتخلى عن بعض العادات التي لا داعي لها.
يرى الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد أيده في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "استخدام هذا اللقب بديلاً عن الاسم الرسمي للزوج عادة تميّز موريتانيا، فليس هناك مجتمع في العالم تنادي فيه الزوجات أزواجهن باسم واحد إلا المجتمع الموريتاني". ويضيف: "هذا الضمير الشهير تفرضه التقاليد الموريتانية وتتعايش معه الأسر منذ قرون حتى أصبح علامة مسجلة على شفاه النساء في موريتانيا".
ويشير الى أن "التقاليد تضع العلاقة الزوجية في إطار محدّد وتفرض عدم التشهير بها من قبل الزوجين لأن ذلك يعتبر تلميحاً للعلاقة الحميمة". ويتابع: "ذكر اسم الزوج أمر مرفوض لأن له أكثر من دلالة. فالزوجة حين تذكر أمام الحضور اسم زوجها كأنها تستحضر العلاقة الحميمة بينهما وتتفاخر بفكرة إنشاء عائلة معه. وهذه الرمزية والخصوصية هي التي يرفض المجتمع ذكرها علنا". ويقول إنه في بعض المناطق الشرقية التي تعرف بتمسكها الشديد بالتقاليد لا يمكن للزوجة أن تذكر الاسم العائلي لأسرة زوجها حتى في الإدارات العمومية وتكتفي بالإشارة الى أنه والد أطفالها أو تقدّم أوراقه الثبوتية.
يضيف: "هناك أيضاً عادات تدخل في إطار قيم الحياء والحرص على إبقاء الرابط الزوجي في حدوده المتعارف عليها اجتماعياً، منها عدم النظر إلى الزوج وعدم مخاطبته في حضور كبار السن أو الأصهار، وعدم مرافقته في الدخول إلى المجالس العائلية".
ويعتبر ولد أيده أن "منظومة قيم الحياء التي يتشبث بها المجتمع الموريتاني تعتبر غريبة عن المجتمعات الأخرى، لذلك تحاول الأجيال الشابة التي تأثرت بالمجتمعات الأخرى وبثورة عالم الاتصالات والتلفزيون أن تثور على أنماط الحياء لدى المجتمع الموريتاني".
وتفرض تقاليد "السحوة" مجموعة من العادات من بينها أن يتغيب الخطيبان عن حفل الخطوبة تعبيراً عن خجلهما وحيائهما من فكرة إنشاء أسرة، كما ترتدي العروس ملابس سوداء في ليلة العرس وتخفي وجهها أثناء الزفة التقليدية، ولا تعّبر عن فرحها في جميع مراحل العرس.
العربي