عندما فازت المرأة الأردنية ، أولَ مرةٍ ، بعضويّةِ مجلسِ النواب ، في انتخابات العام 1993 ، برزت إشكاليةٌ لغويةٌ لم تكنْ في الحُسبان، تمثّلت في الصفة التي يمكن إطلاقها على السيدة التي فازت بعضوية المجلس ، أو الّلواتي سَيَفُزْنَ بهذه العضوية فيما بعد : هل هي نائبةٌ ؟ أم نائبٌ ؟. هل هُنًّ نائباتٌ ؟ أم نوائبُ ؟ أم نواب ؟.
الذين وصفوها بأنّها نائبة ، أو بأنهنّ نائبات ،أو نوائب ، جُوبِهوا بأنّ في هذه الصفة ( تورية ) تحمل معنى غيرَ جميل ؛ ذلك أن من معاني (النائبة) في اللغة العربية: المصيبة، والكارثة. وحاشا لله أن تكون المرأة التي تفوز بثقة الشعب - مصيبة أو كارثة.
ومن منطلق ( دعْ مَا يُريبُكَ إلى مَا لا يُريـبُك ) ذهب الاستعمال اللغوي وبخاصة في وسائل الإعلام إلى أنها (نائب). ومنذ ذلك الحين، اطمأنت السيدات المُبَجّلاتُ اللواتي حُـزْنَ عضوية البرلمان إلى هذا الوصف، رغم ما يتضمّنه من حرمان للمرأة من وَصْفٍ لمنصبها ، يشير إلى أنها امرأة ، من حقها أن تعتزّ بأنوثتها ، وتفخر بإنجازها . وهنا أصبحنا نقول : سعادة النائب فلانة ، أو قالت النائب فلانة ، بصيغة تذكير المنصب .
وقد ظهرت الإشكالية، ذاتُها ، عندما فُتِحَ المجالُ أمام المرأة الأردنية؛ لدخول ميدان القضاء. فهل هي قاضيةٌ ؟ أم قاضٍ ؟ .
ولكنّ البتّ في هذه القضية جاء سريعا، ومن الجلسة الأولى. وصدر القرار اللغوي الشعبي الجمعي بأنها ( قاضٍ، أو قاضي)؛ لأن معنى (القاضية) في اللغة العربية، لا يقل قسوة عن معنى النائبة، بل هو يـزيد.
سبحان الله ! أيّ حظّ هذا الذي يلاحق المرأة كلما تبوّأت منصبا جديدا ، أو دخلت ميدانا لم تكن قد دخلته من قبل !؟ .
أليس من حق المرأة أن تتمتّع بتاء التأنيث بنقطتيْها المكتنزتيْن الجميلتيْن، تُحَلّيَانِ منصبَها في السلطة التشريعية أو القضائية ؟ .
أليس في هذا تَعَـدٍّ صارخٌ على حقوق المرأة التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان ؟؟.
هل يمكن لنا أن نقول: إن لغتنا العربية قد مارست، منذ نشأتها الأولى، تمييزا ضد المرأة ؟ . وهل عرف الأجداد الأقدمون أن المرأة ستفوز في انتخابات نيابية ، وأنها ستكون ضمن تشكيلة مجالس الوزراء ، والأمر ما يزال، يومئذ، في بطن الغيب ؟.
من حُسْنِ الحظّ أن كل السيدات اللواتي حُـزْنَ عضوية مجلس النواب، أو جَلَسْنَ في المحاكم يطبّقن القانون – أن أسماءهنّ الشخصية حتى الآن، تشير إلى التأنيث الصريح.
فماذا لو كانت إحدى السيدات تحمل اسماً من تلك الأسماء المشتركة بين التذكير والتأنيث، مثل: نهاد، نضال، حكمت، وما يشبه ذلك من أسماء ؟؟ .
لو رصدنا الاستعمالات اللغوية المعاصرة، لما وجدنا أحدا في الوقت الحاضر يستعمل كلمة ( نائبة ) للدلالة على المصيبة، أو الكارثة. بل درجت الاستعمالات اللغوية المعاصرة على استعمال كلمات ، مثل: كارثة ، مصيبة ، نكبة؛ للدلالة على ما يصيب فردا ، أو مجتمعا ، أو دولة ، أو إقليما من أي شرّ من الشرور الفادحة ، كالزلازل، والبراكين، والحرائق، والحروب، وعمليات التهجير، أو ما هو دون ذلك ، أو أخطر .
فلماذا، إذن ، يسرع المعنى غير المستحب إلى أذهاننا، وخواطرنا ؟ . ولماذا تسبق ( النوايا العاطلة ) النوايا الطيبة في بعض استعمالاتنا اللغوية ؟ لماذا نتذكر معاني قديمة لم تعد متداولة ، ونقحمها للدلالة على معان جديدة مستحدثة ؟.
حتى منصب الوزارة الذي يخلو من (مطبّات) التورية، وما قد تومئ إليه من معان غير مستحبة - لم يَخْلُ من بعض المنغّصات اللغوية. فما تزال وسائل الإعلام تتحدث عن منصب الوزارة الذي تشغله بعض السيدات، بصيغة المذكر. فلانة وزير كذا وكذا ، وكذلك الحال مع منصب الإدارة العامة ... صرحت فلانة مدير عام كذا ، بِكَيْتَ وكَيْت .
فهل سنسمع ، قريباً ، من سيداتنا الفاضلات ، في السلطات الدستورية الثلاث ، إبداء رغبتهن الصريحة في أن يؤنّثَ منصب كل منهن ، ؛ لتضاف نقطة جديدة ، ولو على مستوى اللغة ، لإنجازات المرأة الأردنية ، وما حققته على طريق المساواة مع أخيها الرجل؟ .
معروف أن التغير الاجتماعي، وما ينطوي عليه من تعبير لغوي ، يسير ، عادة ، ببطء . وبما أنّ دخول المرأة إلى هذه المجالات التي ذكرناها، هو نوع من التغيّر الاجتماعي الإيجابي، فما من شك، في أن إشكالية الأوصاف والألقاب، على الصعيد اللغوي ، سَتُحَلّ، حتماً ، وينبغي أن تُحَلّ لصالح تاء التأنيث ، سواء أكانت مربوطة، أو غير مربوطة ، طال الزمان على ذلك ، أو قصر . ولكننا نقول دائما : خَيْرُ الْبِـرّ عَاجِلُه .