تخيل لو أنك تعمل لساعات طويلة يومياً، وتذهب إلى السرير منهكاً كل ليلة، وتصحو مع أول شعاع للشمس كل صباح، ولكن لا تحصل على أجر أبداً.
وعلى حد قول من يقيسون الأشياء «لا تخلق قيمة». ويبدو الأمر إجمالاً غير عادل، ولكن هذه حال معظم النساء حول العالم. وعندما تقيس الحكومات اقتصادها الوطنى فى الناتج المحلى الإجمالي، فإن عمل المرأة، تقديم الرعاية وتدبير شئون المنزل، لا يعد «عملاً».
وبفضل تقرير جديد من شركة «ماكينزي» بشأن الفجوة بين الجنسين فى أماكن العمل، نعلم الآن القيمة الحقيقية المذهلة لكل هذا العمل بلا مقابل، والتى تقارب 10 تريليونات دولار. وهذا الرقم يعادل تقريباً الناتج المحلى الإجمالى للصين. وإذا شكلت النساء التى ترعى عائلاتها دولة واحدة، فسيكونون رابع أكبر اقتصاد فى العالم.
وعلاوة على ذلك، يتعلق هذا الرقم بالجانب المادى للرعاية فقط، وكما أوضحت آن مارى سلاوتر فى كتابها الجديد، تتضمن الرعاية المكون العاطفى الإضافى للحب والتربية، وتوجيه الدخل فى التعليم، والتأديب، والإرشاد الأخلاقي، وحل المشكلات، والدعم العاطفي، وتقديم القدوة، وكل ما يتطلبه تربية الأطفال والاستثمار فى الآخرين.
وهذه المظالم توجد فى الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. ففى الدول الغنية، تحول النساء، الأموال إلى بضائع وخدمات ضرورية للعيش والنمو (التسوق، والطهي، التنظيف، الغسيل، التنظيم).
وفى الدول الفقيرة، تحمل المرأة عبء توفير ضروريات الحياة (جلب المياه والحطب، وزراعة المحاصيل الأساسية). وينبغى أن نتصرف حيال هذا الأمر.
ووضعت الاقتصادية ديان إلسون، استراتيجية تبناها العديد من المناصرين وهى: «حدد.. قلل.. أعد التوزيع». فتحديد العبء غير العادل الواقع على المرأة هو الخطوة الأولى لمعالجته. وطالما أن الاحصائيات الاقتصادية الرسمية تتجاهل العمل الذى يقومون به، فمن الأسهل تجاهل التفاوت فى قلب مجتمعاتنا. وتقليل الوقت وقدر المجهود الذى تبذله النساء فى الأعمال المنزلية المملة ممكن تحقيقه من خلال تكنولوجيات اقتصاد العمالة، ففى الدول النامية حيث تقضى المرأة ساعات فى جمع المياه والحطب لإدارة منازلها، فإن ذلك يعنى توفير مواقد ذات كفاءة، وصهاريج مياه، وكهرباء. وفى الدول الغنية، نحن نستخدم الغسالات، والمكاوى والمكانس الكهربائية منذ سنوات. ومن خلال تقليل 61% من العمل بلا مقابل والذى يتكون من المهام المنزلية الروتينية، يمكن أن نوفر وقتاً للأعمال ذات القيمة مثل العناية بالأطفال والمسنين. ويعنى إعادة توزيع العمل بغير مقابل، الخطوة الأخيرة، اشتراك الرجال بقدر متساوٍ فى هذا العمل وفى بهجة الرعاية.
ويقول الرجال الذين بنوا روابط مع أطفالهم فى سن مبكرة، وأصبحوا مؤهلين تماماً لرعاية الأطفال، إنهم مروا بتجربة مختلفة ومرضية للغاية.
وعلاوة على ذلك، عندما يؤدى الرجل والمرأة واجباتهم الأبوية بقدر متساو، يكونن أكثر مرونة فى القيام بترتيبات تساعد كلاً منهما. ونحن لا نعلم على وجه اليقين، ما الذى ستفعله النساء بالوقت الإضافى الذى سيحصلن عليه من تقليل وإعادة توزيع العمل بلا مقابل.
ولكن من الصعب ألا نتخيل أنهن سيستخدمن بعضه فى نشاطات بناءة اقتصادياً أو لزيادة درجتهن الأكاديمية.
وهنا تأتى القضية الثانية فى تقرير «ماكينزي»: إذا لم تقم النساء بأغلبية المهام المنزلية، وتم إجبارهن على العمل بدوام جزئى للاهتمام بالأطفال والمسئوليات المهمة الأخرى، أو حتى إجبارهن على العمل فى مهن متدنية الأجر، فسيخطف نمو الناتج المحلى الإجمالى العالمى الأنفاس ويزداد بمقدار 28 تريليون دولار، وهو رقم أعلى من اقتصاد الولايات المتحدة والصين مجتمعتين.
وتبدو التقديرات معقدة.. والمساواة الحقيقية ستعنى تنحى الرجال قليلاً وبروز النساء. ومع ذلك، فإن الحجة الاقتصادية المشجعة على القيام بذلك واضحة.. ولذا لا يوجد عذر للساسة، والموظفين، والمستثمرين، والناخبين للتحرك وفق ذلك.