يبدو لي الوطن الآن كسفينة تشكو شقوقا في كل جوانبها، لو انقلبت قليلا بفعل ريح قوية ستغرق. متكئون نحن على الجوانب، نحلم أن نحلّق مع النوارس ونصل الغيمات ونجلس فوقها جنبا إلى جنب والملائكة. بعضنا يحلم بالحور العين على الغيمات، وبعضنا يحلم بالمطر التي ينهمر معها على غرفة حبيبته في السفينة.
أحلامنا التي علقت على ظهر السفينة، لا تملك أجنحة. نحن لا نملك أجنحة. أجدادنا قُطّعت أجنحتهم.
ربّان السفينة مشغول بالحديث مع إحدى القنوات التلفزية عن آخر أخبار الشقوق. مساعده مشغول في استوديو تحليلي عن نوع الخشب الذي صنعت منه السفينة، بعض المعاونين يدلون بتصريحات عن كمية الماء التي بدأت تدخل السفينة والبعض الآخر منتفض لأن موجة أفلتت من البحر وبلّلت ثيابه قبل ثياب حماته.
نحن مشتّتون بين الأروقة والغرف نحلم، مازلنا نحلم، نضع الرجل على الرجل، ندخّن الشيشة والدخان "الدّزيري" بعد أن صار ثمن السجائر المحلية يضاهي ثمن نصف دجاجة، يشتهيها طفل من أحد المناطق المنسيّة في صحن بلاستيكي مكسور. والسجائر الأمريكية صارت بهرجا من أجل الحفاظ على البرستيج في جلسة نقاش سياسي.
سفينتنا لا تشبه سفينة نوح، فرغم أن عليها من الأزواج أشكال وألوان، من ملل ونحل مختلفة تنبع كلها من عين واحدة، عين تحتاج لإعادة حفر وتطهير من درن يلوّثها منذ قرون، لكنها سفينة آيلة للسقوط، مادمنا مازلنا نضع ساقا على ساق لنتفرج على البعض منّا وهم يمسكون الفؤوس والمعاول يثقبون بها الخشب، ثمّ نستعيد جلستنا الروتينية من أجل القيل والقال ملتهين بحلم التحليق، مبتسمين للحياة، تلك التي على شفا حفرة من نهاية... وللحديث بقيّة بين أروقة السفينة.