من طريف ما يروى انه في سنة 1840 للميلاد في عهد محمد على باشا حاكم مصر تمَّ تأسيس كتيبةٍ في
الجيش المصري تسمى كتيبة العوران .....
والسبب أنَّ كثيرا ً من الذين يُطلبون لتأدية الخدمة العسكرية ، كانوا يلجؤون الى العبث بأعينهم ليحصل
فيها أدنى عيب .. وذلك تهرّباً من أداء الخدمة العسكرية ، التي كانت على درجةٍ عالية من القسوة .
وأمام تزايد أعداد الشباب غير الصالح للخدمة بسبب التشوّهات في عيونهم قرَّر محمد علي باشا تأسيس
كتيبةٍ في الجيش المصري ، اسمها "كتيبة العوران " !!!!!
والأطرف من هذا أن هناك قريــة في حوران بجانب " خربة غزالة " تُسمّى " الكُتيّبـــة " بالتصغير ،
أطلقوا عليها اســم " كتّيـبة العوران " ، ولا يوجد قرية أخرى بهذا الاسم حتى يتم التفريق بينها وبين
هذه بإضافة العوران إليها ... وعلى التحقيق فلا يوجد أي ربط بين ظاهرة العَـوَر المتوهّمــة وبين قرية
" كُتيّـبـة العوران " ، وإنما هي مداعبة بين السكان المحليين إتْـبـاعا ً لكتيبة العـوران التي أسسها والي
مصر ، فرضية ، تفترض أن كتيبة عوران محمد علي باشا ، قد استقرت في قرية الكتيّـبة ، وأخذت
القرية اسمها من هذا الحدث ، ولا أدلة وثائقية على ذلك . وزرت القرية أول مرة متوهّمـا أني سأجدها ملأى بالعوران ،
ولم أجد فيها أحداً مما توهمتُـه(1) .. والراجح أنه تمَّ إطلاق الاسم عليها بعد حملة إبراهيم باشا، فقد
دخلها مع مجاوراتها من الحواضر الشامية، ولاشكَّ أنَّ الناس قد تسامعوا بكتيبة العوران التي أنشأها ،
فأطلقوا الاسم من باب التندّر والتفكّــه على الكتيبة ، التي بجوار بلدة غزالة، أو ( خربة غزالة).
وفي محافظة الطفيلة الاردنية عشيرة تدعى " العوران " وفي لبنان بيت الأعور ، وفي سورية بمنطقة
داعل في حوران " بيت عوير " ، وفي دولة الامارات العربية المتحدة منطقتان تحملان اسم " العوير" .
وللجاحظ كتاب عن اخبار العوران والحولان والعرجان والبرصان والعميان ، وقد خلَّـدَ فيه اسماء اشهر
الأعلام في كل عاهة من العاهات المذكورة ..ومنهم عطاء بن أبي رباح: كان أسود أعور أشل أفطس
أعرج ثم عمي بعد ذلك .
وأشهر العوران عبر التاريخ، الأعور السلمي ، والحجاج بن يوسف الثقفي ووكيع بن الجراح المحدث
التابعي المشهور صاحب كتاب الزهد، وهو أستاذ الامام الشافعي الذي قال فيه :
شـكوْتُ الى وكيعٍ سـوء حفظي = = = فأرشدني الى ترْكِ المعـاصـي
ونَبَّــــأني بأنَّ العـلم نــــــــــورٌ = = = ونـورُ اللهِ لا يُـهـدى لعـاصـي
ومن العـوران أيضـاً أبو سفيان رحمهم الله أجمعين ،
ولكن هناك خطأ تاريخي يقع به كثير من الباحثين وهو الإشارة إلى عَـوَر أبي سفيان ، يزعمون
أنه أبو سيدنا معاوية ، أي زوج السيدة هند رحمهم الله وبني أمية أجمعين ، يقولون هو أبو سفيان صخر
ابن حرب الأموي القرشي الكناني، (63 ق.هـ / 560م - 30 هـ / 652م) سيد قبائل قريش وكنانة وأحد
أشراف العرب وساداتهم في الجاهلية وصدر الإسلام ولد في مكة قبل عام الفيل بعشر سنين، وأسلم يوم
الفتح، وكان أبـاً لإحدى أزواج رسول الله (سيدتنا أم المؤمنين رملة، أم حبيبة بنت ابي سفيان ) .
والراجح أنه ليس أبا سفيان الاموي ، إنما هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ( ت 20 هـ ) ،
واسمه المغيرة، ابن عم الرسول محمد ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخوه في الرضاعة حيث أرضعتهما
السيدة حليمة السعدية ، و كان أبو سفيان بن الحارث شاعراً ومن شعره المـأثـور بسبب شبهه بالنبي –
صلى الله عليه وسلم:
هداني هادٍ غير نفسي ودلّني *** على اللهِ مَن طَرّدتُ كلَّ مطرّدِ
أفِرُّ وأنأى جاهِداً عن محمّدٍ *** وأُدْعى وإنْ لم أنتسِبْ بمحمّـدِ
ومن شعره أيـضـاً ولكن يوم حُنين :
لقد عَلِمَتْ أفْنـاءُ كعـبٍ وعامـرٍ *** غَداةَ حُنينٍ حينَ عمَّ التَّضَعْضُعُ
بأنّي أخو الهَيْجـاء أركَبُ حدَّها *** أمـامَ رســـــول اللـه لا أتَتَعتَعُ
رجاءَ ثوابِ اللـه واللـه واسِــعٌ *** إليه تعالى كلُّ أمـرٍ سَـــيَرْجِـعُ
والأَعْوَرُ عند العرب جذوريّــاً: الغُرابُ على التَّشاؤُم به لأَنَّ الأَعْوَر عندهم مَشْؤُومٌ . والأَعْوَرُ من الكُتُبِ :
الدارِسُ كأَنَّه من العَوَر وهو الخَلَلُ والعَيْبُ . ومن المَجَاز : الأَعْوَرُ : مَنْ لا سَوْطَ مَعَهُ والجَمْع عُورٌ ؛ قاله
الصاغانيّ . والأَعْوَرُ : مَنْ لَيْسَ له أَخٌ من أَبَوَيْه وبه فُسِّر ما جاءَ في الحَدِيث لَمَّا اعْتَرَضَ أَبو لَهَب على
النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عند إِظهارِ الدَّعْوَةِ قال له أَبو طالِب : يا أَعْوَرُ ما أَنتَ وهذا ؟ لم يَكُنْ أَبو لَهَب
أَعْوَرَ ولكنّ العَرَب تقولُ لِلَّذِي لَيْسَ له أَخٌ من أُمّه وأَبِيه : أَعْوَرُ . ومن المَجَاز : الأَعْوَرُ : الَّذِي عُوِّرَ أَي
قُبِّحَ أَمْرُه ورُدَّ ولم تُقْضَ حاجَتُه ولم يُصِبْ ما طَلَب ولَيْسَ مِنْ عَوَرِ العَيْن ؛ قاله ابن الأَعرابيّ وأَنْشَد
للعَجّاج : وعَوَّرَ الرَّحْمنُ مَنْ وَلَّى العَوَرْ . ويُقَال : معناه : أَفْسَدَ من وَلاَّه وجَعَلَه وَلِيّاً لِلْعَوَر وهو قُبْحُ الأَمْرِ
وفَسَادُه ، كذا قال صاحب التاج .
والعَوْرَةُ بالفَتْح : الخَلَلُ في الثَّغْرِ وغَيْرِه كالحَرْبِ . قال الأَزْهَرِيّ : العَوْرَةُ في الثُّغُورِ والحُرُوبِ : خَلَلٌ
يُتَخَوَّفُ منه القَتْلُ . وقال الجَوْهَرِيّ : العَوْرَةُ : كلُّ خَلَلٍ يُتَخَوَّفُ منه من ثَغْرٍ أَو حَرْبٍ . والعَوْرَة : كُلّ
مَكْمَنٍ للسَّتْرِ . والعَوْرَةُ : السَّوْأَةُ من الرَّجُل والمَرْأَةِ . قال المصَنِّف في البصائر : وأَصْلُها من العَار كأَنّه
يَلْحَقُ بظُهُورِها عارٌ أَي مَذَمَّة ولذلك سُمِّيَت المَرْأَةُ عَوْرَةً ، والجمع " عورات " . وفي التَّنْزِيل : (( ثَلاثُ
عَوْراتٍ لَكُم )) سورة النور\ 58. أَمرَ الله تَعالى الوِلْدانَ والخَدَمَ أَلاّ يَدْخُلُوا في هذه الساعات ( بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الفجر وحين القيلولة ظهرا) على ذويهم إِلاَّ بإشعار كامل، احتراما للخصوصيّــة ، أي
بِتَسْلِيم منهم واسْتِئذان . وكُلُّ أَمرٍ يُسْتَحْيَى منه إِذا ظَهَرَ عَوْرَةٌ :
ومنه الحديث : يا رَسُولَ اللهِ عَوْرَاتُنا ما نَأْتِي منها وما نَذَر ؟ وهي من الرَّجُل ما بَيْنَ السُّرَّة والرُّكْبَة
ومن المَرْأَة الحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إِلاّ الوَجْهَ واليَدَيْنِ إِلى الكُوْعَيْن وفي أَخْمَصِها خِلافٌ ومن الأَمَةِ مِثْلُ
الرَّجُل وما يَبْدُو منها في حَالِ الخِدْمَةِ كالرَّأْس والرَّقَبَة والساعِدِ فلَيْسَ بعَوْرة . وسَتْرُ العَوْرَةِ في الصَّلاة
وغَيْرِ الصَّلاةِ واجِبٌ ، ولكن ما القاسم المشترك بين هذه المشتقات والمسميات الجذوريـة ؟
الواقع أن ( ع و ر ) جذر يفيد العاهة والسَّوْأة وكل ما يُسْـتحيى منه . وأَما العارِيَّة فإِنَّهَا منسوبةٌ إِلى
العَارَةِ وهو اسمٌ من الإِعارَة تقول : أَعَرْتُه الشيءَ أُعيرُه إِعارَةً وعَارَةً ( أي صار يتداول استعماله أكثر من طرف) ، كما قالوا : أَطَعْتُه إِطاعَةً وطَاعَةً ، وأَجَبْتُه إِجابَةً وجَابَةً.
قال : وهذا كثيرٌ في ذَوات الثَّلاثِ منها الغارَةُ والدَّارَةُ والطَّاقَةُ وما أَشْبَهَهَا . ويُقَالُ :
اسْتَعَرْتُ منه عارِيَّةً فأَعَارَنِيها . واعْتَوَرُوا الشَّيْءَ وتَعَوَّرُوه وتَعَاوَرُوه : تَدَاوَلُوه فيما بَيْنَهُم . قال الشاعر
أَبو كَبِيرٍ ، وهو أبو كبير الهُذلي واسمه عامر بن الحليس ( توفي نحو 10هـ ):
وإِذا الكُمَاةُ تَعَاوَرُوا طَعْنَ الكُلَى *** نَدْرَ البِكَارَةِ في الجَزَاءِ المُضْعَفِ
قال الجَوْهَرِيّ : إِنّمَا ظَهَرَت الواوُ في اعْتَوَرُوا لأَنَّه في معنى تَعَاوَرُوا فبُنِىَ عليه كما ذَكَرْنا في تَجَاوَرُوا .
وفي الحديث : يَتعاوَرُون على مِنْبَرِي أَي يَخْتَلِفُون ويَتَنَاوَبُون كلّما مَضَى واحدٌ خَلَفَه آخَرُ . يقال : تَعَاوَرَ
القومُ فُلاناً اِذا تَعَاوَنُوا عليه بالضَّرْب وَاحداً بعدَ وَاحد . قال الأَزهريّ : وأَما العارِيَّة والإِعَارَةُ والاسْتِعَارَةُ
فإِنّ قولَ العَرَب فيها : هُمْ يَتعاورُون العَوَارِىّ ويَتَعَوَّرُونَهَا بالواو كأَنَّهم أَرادُوا تَفْرِقَةً بين ما يَتَرَدَّدُ من ذاتِ
نَفْسِه وبين ما يُرَدَّدُ . وقال أَبو زَيْد : تَعَاوَرْنا العَوَارِيِّ تَعاوُراً إِذا أَعارَ بعضُكم بَعْضاً ، ومن هنا كان رأي
بعض فقهاء اللغة أن الأعور ذا العين الواحدة تناوب هذه العين مكان ووظيفة العين المفقودة إضافةً الى
وظيفتها ، ومن هنا قالوا : العَـوَر أفضل من العمى ، وكذلك العاريّــــة من المتاع يتم تناوبها وتداولهــــا
بين أكثر من طرف واحد ، وهكذا يزول اللبْس ...
=============هامش:
(1)-وذلك بصحبة المحامي الأديب الأستاذ محمد أحمد عبد الغني الحريري، فلما بدت لنا قلت: أهذه كتيّبة الــ...... ؟
وتذكرت أن صاحبي أعور فاستحييت، وأكملت: أهذه كتيبة الشبلاق؟
قال الرجل: يا محمد، هذه كتيبة العوران، ولم يُسمِّها بالشبلاق إلا أنت، وأنت استحييت لأجل عَوَري!!
وأنا لا أستحيي من شيءٍ ابتلاني الله به.
والكتيبة جذوريا من الجذر ( ك ت ب ) وتعني الجمع بين شيئين أو أشياء متعددة، تقول العرب كتبت السقاء إذا خرزته وكتَّب الكتائب إذا عبّأها، والكتيبة سُمِّيت بذلك لأنها تجمع بين الجنود، والكتابة جمع الحروف وتأليفها لتعطي معنى ما .. وقد ذكرت الكتيبة في معجم البلدان لياقوت الحموي(626 هـ ) ، في الجزء الرابع /ص437 ، ودون الإشارة إلى أي بقعة من الأرض أو الأمكنة، لكنها مذكورة في كتب التاريخ القديمة وتاريخ الذهبي والقلانسي وغيرها.