في هذه القرية البدائية الكائنة بمقاطعة كيليفي على الساحل الشرقي لكينيا تعكف مجموعة من النسوة على ادارة مشروع مزدهر … إذ ينتجن في اليوم المشمس عشرات من أنواع الكعك المختلفة، حسب ما جاء في وكالة الأنباء رويترز.
لكنهن لا يمتلكن حتى مجرد أفران الطهي بمطابخهن .. وبدلا من ذلك تخبز مجموعة (نسوة ايماني) الكعك بالاستعانة بصندوق خشبي والشمس فقط .. ويكسبن قوت يومهن بما يكفي لإعالة أسرهن وتعليم ابنائهن بالمدارس.
يتكون الفرن الشمسي الواحد من الخشب والجلد ورقائق الورق المفضض ويمكنه الانتهاء من صنع الكعك في غضون ساعتين دون اللجوء الى طاقة الكهرباء أو الفحم.
ويعمل الفرن من خلال احتجاز حرارة الشمس بالاستعانة بالورق المفضض العاكس ليصبح هذا الصندوق فرنا متنقلا.
وبالنسبة الى مجموعة (نسوة ايماني) التي يعني اسمها باللغة السواحيلية الإيمان- صار هذا الصندوق الخشبي البدائي مصدرا لتمكين المرأة إذ يتيح لها ضمان دخل ثابت ورزق مضمون علاوة على تعليم الأبناء في المراحل الدراسية المختلفة.
بدأت المجموعة نشاطها هذا عام 2014 في إطار مبادرة أطلقتها مجموعة التنمية الألمانية (المؤسسة الألمانية للنهوض بسكان العالم) التي تهدف الى مساعدة النسوة بالقرى البدائية بريف افريقيا من خلال اقامة المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
واتصل أعضاء المؤسسة الألمانية بنجار محلي قام بصنع صندوق خشبي يتكلف الواحد 15 ألف شلن (150 دولارا تقريبا) في حجم الحقيبة الكبيرة مبطن بالجلد الأسود تعلوه طبقة من رقائق الورق المعدنية المفضضة.
يقوم الورق المفضض بعكس أشعة الشمس واحتجازها داخل الصندوق لتقوم الطبقة الجلدية السوداء السميكة المبطنة للصندوق بامتصاص حرارتها فيما يعمل غطاء زجاجي على احكام الاحتفاظ بالحرارة بكفاءة.
واثناء عملية الطهي تقوم النسوة بتحريك الصندوق باستمرار لاقتناص أكبر كم ممكن من أشعة الشمس .. وخلال اليوم الصحو المشمس يمكنهن صناعة 150 كعكة صغيرة تباع الواحدة بسعر 10 شلنات (10 سنتات) الى جانب 30 كعكة أكبر حجما بسعر 200 شلن (دولارين).
وتصف خديجة بتينجا رئيسة مجموعة (نسوة ايماني) هذا المخبز بانه صديق للبيئة واقتصادي وملائم لظروف البيئة.
وقالت « لو كنا استخدمنا الحطب أو الفحم للطهي لاختلف الأمر كثيرا لان تكلفة التشغيل ستكون عالية. كما اننا كنا سنلوث البيئة ».
تقول دراسة مسحية أجرتها المؤسسة الكينية المتكاملة للميزانية المنزلية عام 2005 -التي تجري كل عشر سنوات- إن عدم توافر الطاقة الكهربية يعني ان نحو 70 في المئة من البيوت الريفية بمقاطعة كيليفي الكينية يعتمد على الكيروسين لأغراض الإضاءة والحطب أو الفحم للطهي.
وقالت دراسة أجراها المركز العالمي للزراعة والغابات عام 2013 إن زيادة الاعتماد على الحطب يمثل مشكلة في بلد يستهلك بالفعل نحو 6850 طنا متريا من الفحم يوميا وهو ما يترجم الى نحو 2.5 مليون طن من الحطب سنويا الذي لا يجري الحصول عليه بصفة مستديمة.
وأثبتت التجربة ان صنع الكعك باستمرار نشاط مربح ففي اليوم الصحو يمكن ان تكسب المرأة الواحدة من مجموعة (نسوة ايماني) ما يصل الى 300 شلن يوميا وهو مبلغ استفادت به كثيرات في بدء أنشطة أخرى من المشروعات الصغيرة أو متناهية الصغر.
ومن خلال بيع الملابس أو تربية الدواجن بوسع النسوة تعويض النقص في دخولهن في حالة كون الطقس غائما على نحو يستحيل معه مواصلة نشاط صنع الكعك.
وفي قرية مسوماريني تستغل مجموعة (نسوة ايماني) زراعات جوز الهند الوفيرة لاستخراج زيت جوز الهند الطبيعي بالاستعانة بالفرن الشمسي العاكس ايضا إذ يباع اللتر من هذا الزيت بمبلغ ألف شلن.
ويتم صنع الزيت عن طريق وضع خليط من جوز الهند المجروش والماء داخل صندوق الفرن الشمسي ويترك يومين حتى ينصهر لينفصل المخلوط الى طبقة من الزيت الطافية على سطح الماء تقوم النسوة بجمعها وتعبئتها ثم بيعها.
ومن خلال عائدات هذه الأنشطة تقوم معظم أعضاء مجموعة (نسوة ايماني) بمساعدة أزواجهن في إعالة الاسرة مع اتاحة فرصة نادرة للبنات للالتحاق بالمدارس وهي ميزة لم تكن لتحلم بها الفتيات.
وقالت باكر انزانزي كيفويتي البالغة من العمر 38 عاما « معظم فتيات المدارس هنا يتزوجن وينجبن ويتسربن من التعليم لكن من خلال الدخول الصغيرة التي نحصل عليها يتسنى لبناتنا مواصلة الدراسة ».
وقالت عضوات مجموعة (نسوة ايماني) إنهن تمكنøó بالفعل من تغيير موروثات عتيقة بالمجتمع.
وقالت خديجة بتينجا رئيسة مجموعة (نسوة ايماني) « في بادئ الأمر كان أزواجنا يمنعوننا تماما من حضور اجتماعات المجموعة قائلين بانها ليست سوى فرصة للثرثرة والقيل والقال لكنهم أدركوا الفوائد أخيرا وبدأوا يذكروننا يوميا بألا نتأخر عن مواعيد هذه الاجتماعات ».