العنف.. كلمة مطاطية تشمل وجوه عدة لا تقف عند حد إراقة الدماء أو تقييد الحريات بل ربما تبلغ ذروتها عندما تتنفس "ظاهريا"، ضحيته هواء قاتلا تسممه معلومات مغلوطة تصنع حواجز تحول دون قدرتها لمواجهة عالم لن يتوانى بفعل ذنب لم ترتكبه عن التحديق المتعمد فيها وتحويلها للقمة مستباحة تتناقلها الآفواه.
لذا نرصد بحلول اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يوافق اليوم 25 نوفمبر قصص نساء لم يكن يوما تحت دائرة الضوء, نشرت وسائل الإعلام دون تحرى الدقة أنباء عصفت بحياتهن بزعم تحقيق سبق صحفي، كما طالت في ظل ما أطلق عليه خبراء "فوضى إعلامية عالمية" أنتجتها مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت مصدرا لاستقاء المعلومات ومروج سريع الانتشار للأخبار, نساء مكرمات دينيا لأجل تحقيق مكاسب مادية ترفع معدلات توزيع ومتابعة المادة الإعلامية على حساب قناعات لا يجوز المساس بها، وأحيانا لإشعال بلبلة مجتمعية وفكرية مقصودة تصرف الانتباه عن قضايا فاصلة أو توتر علاقات دبلوماسية بين دول.
إرهابية بالصدفة
معلمة قيادة السيارات المغربية "نبيلة " كانت احدث ضحايا الإعلام عندما نشرت جريدة "الديلى ميل" البريطانية صورا لها باعتبارها الانتحارية حسناء آيت بو لحسن التي فجرت نفسها بحزام ناسف، أثناء مداهمة الشرطة الفرنسية وحدة سكنية شمال البلاد لملاحقة متورطين في أحداث دامية شهدتها العاصمة الفرنسية أودت بحياة 130 شخصا مطلع الشهر الجاري، ليتبين فيما بعد أن صديقة لتلك السيدة المغربية البسيطة استغلت شبه ملامح الوجه بينها والجهادية فباعت صور كانت التقطتها لنبيلة أثناء إقامتها في باريس عام 1998، بعضها شديد الخصوصية لمراسل الصحيفة البريطانية التي قدمت اعتذارا شديدا واعترفت بتسرعها للانفراد بخبر صحفي, بينما "نبيلة" التي تقطن مدينة بني ملال وسط المغرب، ترتعد خوفا بعدما أقحمتها صحف دولية هي وأسرتها بقضية كهذه، وتخشى على أبنها الوحيد الذي يُكمل دراسته في فرنسا وتضنى نفسها بالعمل لتسديد مصاريفه.
وقالت نبيلة باكية في حوار مسجل بثه الموقع المغربي "اليوم 24": حسبنا الله ونعم الوكيل مؤكدة إنها تحيا تحت وطأة ظروف نفسية معقدة وسوف تلجأ للقضاء لكي يرد لها اعتبارها ويأمر بسحب صور انتهكت حياتها من الفضاء الالكتروني.
زوجة الرسول
ولا يقف التعدي الإعلامي عند التغطيات الخبرية، وإنما يتسلل أيضا داخل معلومات مشكوك بصحتها لا تحمل أسانيد قاطعة توردها مقالات مثيرة للجدل في مجتمع عربي يخشى خدش مكانة شخصيات لها منزلة موقرة دينيا, وهو ما يمثله مقال نُشر مؤخرا في جريدة "المقال" المصرية غير ذائعة الصيت تحت عنوان "المسكوت عنه في زواج السيدة خديجة من النبي" للكاتب سمير درويش، وقوبل بهجوم شديد من رجال دين ينتمون لمؤسسة الأزهر لسرده معلومات خاطئة تماما تدعى زورا أن السيدة خديجة بنت خويلد تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما سقت والدها الخمر ليرضخ إلى طلبها، حيث لم يكن موافقا على تلك الزيجة وان بنات الرسول صلى الله عليه وسلم رقية وأم كلثوم وزينب لسن ببناته وأنهن بنات شقيقة السيدة خديجة بنت خويلد التي نسبتهن لنسل الرسول الكريم.
وناشد فقهاء الدولة المصرية باتخاذ تحرك رادع لوقف ما وصفوه بـ"مهزلة"، تثير مغالطات غير مقبولة.
إثارة جدل
وأبرز قضايا هذا العام بهذا الصدد قصة فتاة مصرية شكت في برنامج اجتماعي للإعلامية المصرية الموقوفة ريهام سعيد، ما تعرضت له من تحرش داخل أحد المراكز التجارية بحثا عن الجاني، لتفاجئ بانقلاب ضدها من قبل المذيعة التي اتهمتها بارتداء ملابس غير لائقة وقيل إنها أي المذيعة، سرقت صورا شخصية من هاتفها المحمول أساءت لسمعتها وما يعزز صدق رواية الفتاة الملقبة إعلاميا بـ"فتاة المول" اتخاذ إدارة قناة النهار الفضائية قرارا بوقف المذيعة المذكورة بعد انتقادات شعبية ومطالبات بمقاطعة مشاهدة القناة.
وفى عام 2012 دفعت الإعلامية السودانية رفيدة يس ثمن خطأ مهني لصحفي نشر صورتها وهى تجرى حوارا صحفيا مع عروس الرئيس التشادي إدريس دبي، على إنها هي العروس المرتقبة مما تسبب في مشكلات شخصية لم تكشفها، لكن باتت الأضواء مسلطة عليها حتى أشيع العام الماضي اعتقالها من قبل تنظيم داعش أثناء تغطيتها الأحداث الدائرة على الحدود التركية السورية، نظرا لتوقفها عن تدوين تغريدات ليوم كامل على غير العادة، الأمر الذي دفعها لتعطيل صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا يوجد قانون يُلزم كافة المؤسسات الإعلامية الالتزام بمعايير موحدة للنشر حيث تختلف الاعتبارات من دولة لأخرى، وإن كانت هناك مواثيق تتضمن بنود بشأن ضرورة نشر أنباء تستند لحقائق معلومة المصدر وتصحيح المعلومات الخاطئة فضلا عن استخدام منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن الآراء وليس لاستقاء المعلومات، أبرزها ميثاق شرف الفيدرالية الدولية للصحفيين وميثاق أخلاقيات الصحافة الصادر عن مجلس أخلاقيات الصحافة في بروكسل.
الحية المتوفاة !
وهى الإيرانية ندى سلطاني أستاذة الأدب الانجليزي التي فرت من بلادها إلى ألمانيا إثر تحويلها لرمز ثوري رغم عدم اشتغالها بالحقل السياسي، حيث نشرت مواقع التواصل الاجتماعي عام 2009 صورة لجثة فتاة قُتلت أثناء احتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس السابق أحمدي نجاد بولاية ثانية, وتردد إنها تُدعى ندى آغا سلطاني ولقب "سلطانى" اسم رائج في إيران فبحث الصحفيين عن صورة للضحية عبر منصات التواصل الاجتماعي ونشروا بالخطأ صورة أستاذة الأدب الانجليزي التي حاولت مرارا تصحيح هذا الخطأ الفادح.
وانتهى الأمر بتلقيها تهديدات سلطوية للسكوت عن الزج بها ضمن قائمة نشطاء سياسيين يقودون موجة ثورية إصلاحية أمام العالم فهربت طالبة اللجوء إلى ألمانيا عام 2010، وهناك قامت بتأليف كتاب حمل عنوان "وجهي المسروق" ذكرت فيه أن الالتباس وعدم الدقة حملوها ذنب لم تقترفه وقالت: أردت استرجاع صورتي.
وتعقيبا على ذلك قالت الصحافية المصرية فاطمة خير مؤسسة شبكة نساء من أجل الإعلام لـ"بوابة الشرق": وسائل الإعلام لا تتوانى عن استغلال المرأة وإقحامها داخل قضايا عديدة بدافع إثارة الفضول ونيل إقبال على المادة الإعلامية كونها مادة خصبة لتحقيق ما أسمته "انفرادات مزيفة" وهو ما يعود لضعف الأداء المهني للصحفيين من الجنسين نتيجة لقلة التدريب وغياب القيم الأخلاقية الأصيلة.
وحول ما يروج له الإعلام الغربي بخصوص إتباعه معايير موضوعية, أوضحت أن الموضوعية هدف غير واقعي، باتت تتجاوزه مؤسسات أوروبية وأمريكية تدعى الاحترافية أمام خضوعها لمصالح مالكي المؤسسات وتوجهاتهم.
فيما تحدث يحيى غانم الصحفي بمؤسسة الأهرام والمدرب الإعلامي في المركز الدولي للصحفيين بواشنطن باتصال هاتفي لـ"بوابة الشرق" عن تطورات تقنية شهدتها وسائل الإعلام خلال العشر سنوات الأخيرة تراجعت معها مفاهيم الدقة والاتزان بعد تحويل المنتج الإعلامي لسلعة لافتا إن ما يُصطلح عليه "الصحفي المواطن" أضحى بالأمر الواقع الذي يمكن استغلاله بصورة تحقق أقل المخاطر إذا تمت المزاوجة بينه والإعلام التقليدي في إطار معين، وواصل: يمكن للمؤسسة الإعلامية الاستعانة بشخص غير متخصص له اهتمامات صحفية يتواجد مثلا بأحد المواقع النائية وشراء انتاجة بتكلفة مادية قليلة لا تكبد المؤسسة أموالا طائلة بهذه الطريقة يتم تقنين وضعية هؤلاء الصحفيين المستحدثين والحد من الفوضى الإعلامية المنتشرة.
وعلى صعيد المنطقة العربية, انطلقت مؤخرا حملة "نحو شبكة إعلام آمن للمرأة العربية" وهى مبادرة تستهدف تحسين صورة المرأة بوسائل الإعلام المختلفة عبر إبراز النماذج الايجابية وتوفير بيئة مجتمعية تذكى الإعلام المناصر لقضايا المرأة من خلال الدعوة لسن تشريعات عادلة وتوفير إعلاميات على قدر من الوعي والمسؤولية.
وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 1999 يوم 25 نوفمبر يوما عالميا لمكافحة العنف ضد المرأة بموجب القرار 54/ 134، وتم اختيار هذا التاريخ لأنه يوافق ذكرى اغتيال الناشطات السياسيات بجمهورية الدومنيكان الأخوات ميرابال عام 1960.