تؤكد المرأة اللبنانية حضورها في مختلف ميادين الحياة، وها هي الآن تخوض غمار تجربة ظلت حتى الأمس القريب حكرا على الرجل، وهي متمثلة في تربية النحل وإنتاج العسل، خصوصا وأن كثيرات انضوين في دورات تدريب وتأهيل، ضمن برنامج “دعم الطاقات الإنتاجية في لبنان”، فضلا عن نساء امتهنّ العمل في هذا القطاع قبل سنوات عدة، ويقمن الآن بنقل بتجاربهن وخبرتهن لربات بيوت وشابات قررن خوض غمار هذه التجربة، واقتناء خلايا النحل، ليؤكدن قدرتهن في مجالات الإدارة، والتنمية، والإنتاج، لينافسن ويبدعن ويتألقن.
مستشارة برنامج دعم الطاقات الإنتاجية في لبنان ناهدة بو رسلان صالحة أكدت لـ greenarea.me أن “البرنامج يستهدف قطاعات إنتاجية عدة، أهمها، تنمية السلة الريفية The Rural Basket، وتضم قطاعات، منها: إنتاج العسل، عنب المائدة، الأفوكادو والزيتون”، ولفتت إلى أن “هناك دورات تدريبية مستمرة تُنظم في كل لبنان مع التعاونيات الزراعية والبلديات، بالتعاون مع شركة Development Alternatives Inc. DAI”.
استثمار الوقت
وقالت صالحة: “بكوني مسؤولة العلاقات العامة في الجمعية التعاونية لمربي النحل في المتن الأعلى، فقد قمنا بتنظيم دورة شارك فيها 35 متدربا ومتدربة، شاركت فيها خمس سيدات، ومؤخرا نشهد زيادة ملحوظة في الحضور النسائي، لا سيما في السنتين الأخيرتين، وقد تمكنا العام الماضي بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية من توفير سبعة قفران نحل لكل متدرب ومتدربة، وننتظر هذا العام التمويل لتوفير قفران نحل لمن شاركوا في هذه الدورة”.
وأشارت إلى أن “المرأة قادرة على إدارة هذا القطاع بشكل رائع، وأحب أن أذكر أن ربة البيت التي تمضي ساعات في (الصبحيات)، يمكنها توفير أربع ساعات في الاسبوع، واستثمار هذا الوقت في عمل مفيد ومنتج، لجهة العناية بقفران النحل لتأمين إنتاج العسل وزيادة مدخولها والحفاظ على البيئة، إن لم يكن من أجل الربح المادي فمن أجل توفير هذا الغذاء لعائلتها”.
وتابعت “التعاونية في المتن الأعلى تضم سيدتين حاليا من أصل 65 عضوا، ونأمل أن يزيد العدد بانتساب النساء اللائي شاركن في الدورات التدريبية، فشروط الإنتساب ليست تعجيزية، إذ أن كل الشخص يمكنه الانتساب إذا كان يملك ما لا يقل عن 10 قفران نحل”.
أما عن تجربتها الخاصة، فقالت: “بدأت تجربتي عام 2006، بعد أن قام زوجي بتربية النحل، وصرت أساعده، وكانت البداية بستة قفران، وحاليا نملك حوالي 300 قفير، عدا عن بيعنا ما يزيد عن 700 قفير، فضلاً عن بيع وشراء القفران من خلال عملية التطريد السنوية، حيث يساهم هذا الأمر في تنويع الإنتاج وإضافة نوعيات جديدة وجيدة من النحل، وهذا ينعكس على تنوع العسل وجودته”.
مصدر دخل أساسي
وقالت: “من جهة ثانية، نعمل على تغيير الملكات كل سنة، فالملكة تعيش من 5 إلى 7 سنوات، إلا أن إنتاجيتها في وضع البيوض تقل بعد سنتين، فالعديد منها قد يخذلنا في منتصف العام الثالث، وخلال عملنا تطورت خبراتنا في استبدال الملكات، للمحافظة على الإنتاجية والقفير، بالإضافة إلى تطور خبراتنا لإنتاج الغذاء الملكي أيضا”.
وأكدت صالحة أن “إنتاج العسل بالنسبة لي يعتبر مصدر دخل أساسيا، ومن منطلق تجربتي الناجحة في هذا المضمار، أشجع كل سيدة لديها الوقت والمجال الكافيين لتدخل هذا القطاع وتؤمن نوعا من الإستقلالية المعنوية والمادية، وفي مجال لا يستهلك الكثير من الوقت والجهد”، وأشارت إلى أن “العمل في قطاع تربية النحل يتطلب دقة الملاحظة، فرائحة القفير قد تدل على وجود مرض ما، وأي شيء غريب نلاحظه يجب عدم إهماله”.
وقالت: “تلعب التعاونية دورا أساسيا في تبادل الخبرات، فلدينا اجتماعات دورية كل أسبوعين للتباحث في الأمور الطارئة والتعاون للوصول إلى إنتاجية أفضل كما ونوعية، وهنا أحب أن أنبه إلى أن أهمية النحل لا تقتصر على إنتاج العسل فحسب، بل يمكن للشخص زيادة مدخوله عبر بيع الطرود الجديدة، وإنتاج الغذاء الملكي حيث يقدر سعر الكيلو الواحد بـ 3000 دولار، وإنما هذا يتطلب الخبرة، بالإضافة إلى بيع الملكات عدا عن فائدة النحل في مجال البيئة وزيادة انتاجية القطاع الزراعي”.
أما عن الدورات فقالت صالحة “الدورات مستمرة في كافة المناطق، أما في المتن الأعلى فهي دورتان في السنة، ويقوم رئيس التعاونية الأستاذ عبد الناصر المصري بالتدريب بمساعدتي، كما سأقوم بتنظيم دورات عديدة بشكل شخصي منها دورة للمبتدئين خلال أسبوعين في منطقة مجد المعوش فضلا عن دورة قمنا بها في بلدة شحيم في منطقة إقليم الخروب، ويتبع هذه الدورات عادة دورات متقدمة في مجال تربية الملكات والأمراض ولزيادة الإنتاج”.
تربية النحل… واليوغا
المتدربة هويدا أبو الحسن ضو، أنهت دورة تدريبية في تربية النحل قالت لـ greenarea.me “ما دفعني للمشاركة أن تربية النحل ترتبط بذكرى عزيزة، فالمرحوم والدي الذي توفي وأنا بعمر أربع سنوات، كنت أشاهده يعتني بقفران النحل الخاصة بنا، وهو يحضر لنا العسل والعسل بشهده”.
وأضافت: “شكلت هذه الذكرى دافعا إضافيا لي للتسجيل بهذه الدورة التي أعطتني الكثير، فالعمل مع النحل يشبه التأمل (اليوغا)، ويشعر الشخص بالفرح والسكينة والهدوء، لان التعامل مع النحل يحتاج للهدوء، وقد قمنا مرتين بالعمل ميدانيا في معاينة القفران، وعملت بيدي، وكان العمل رائعا”.
وأشارت ضو إلى أن “ما لفت نظري في الخلية هو النظام، فكل النحل يعمل بنظام وتوقيت وتراتبية دون كلل، فالملكة تضع البيض، والعاملات يقمن بتنظيف وتهوئة وتدفئة القفير وتغذية الصغار، عدا عن عزل الخلية للمحافظة على دفء الخلية عبر التجمع وتحضير الطعام للشتاء لتغذية الخلية، فضلا عن جني الرحيق، والطلع”.
وقالت: “شهدنا عملية القطاف وكيف يقوم النحال بأخذ كمية معينة من العسل فقط، لتستطيع الخلية التغذي شتاء، وقيام النحل بطرد الذكور حتى تكفي التغذية للخلية، وقد يعمد النحال الى تغذيتها شتاء، مثلا خلال السنة الماضية كان الطقس قاسيا، والغذاء عبارة محلول سكري بسيط ويمكن اضافة بعض الفيتامينات والعلاجات إن احتاج الأمر، ونضع عليه بعض العشب حتى لا تغرق النحلة في الوعاء الذي يوضع فيه هذا المحلول ونحاول وضع هذا المحلول قبل الموسم البارد، ويمنع فتح القفران خلال الشتاء ويمكن فتحها ابتداء من الربيع”.
النحلة ودروس في البيئة
وأشارت المتدربة سهام فرحات إلى أن “النحلة وعلى صغرها تعلمنا دروسا في البيئة، وهي تعمل على الحفاظ على الدفء داخل الخلية عبر عزلها بمادة صمغية هي مادة العكبر propolis التي تعتبر كنزا بحد ذاتها، وهي مادة مضادة للعفن والأمراض، وهنا تعلم الإنسان، بدلا من استهلاك الوقود والخشب بشكل أكبر في عملية التدفئة، يكفي أن يقوم الإنسان بالعزل لمنزله، فيوفر في استهلاك الوقود، أما التنظيم والتراتبية في العمل، فتعلمنا التوفير في الجهد والوقت عبر النظام المتكامل في أي عائلة أو قطاع أو المجتمع بشكل عام مما يؤمن إنتاجية بشكل أكبر”.
وأضافت: “تعلمنا النحل الهدوء، فعلينا العمل بهدوء، وقد شاهدنا نحالين يعملون دون قفازات، ولا يهاجمهم النحل، وتعلمنا طريقة التعامل مع النحل، واستعمال منفخ الدخان، وشجعونا على استخدام أوراق الصنوبر اليابسة (السميسمة) وبهذا نساهم بالتقليل من استخدام أكياس (الجنفيص) التي قد تحتوي على مادة النايلون، وبذات الوقت نعمل على حماية الغابات من الحرائق التي تساهم فيها هذه الأوراق كونها تحتوي على الزيوت التي تشتعل بسرعة”.
ولفتت فرحات إلى أن “الدورة مجانية، وتتضمن اللباس الواقي، وندفع مبلغ 5 دولارات فقط، ولكن هناك العدة الكاملة التي يمكن شراؤها، وبسعر تشجيعي هو 40 الف ليرة لبنانية”.
وقالت: “سأقوم في الربيع المقبل بشراء قفران نحل والبدء بتربيتها، أما خلال هذا الوقت فسنتابع دورة متقدمة حول الأمراض ومعالجتها، وخصوصا حشرة (الفاروا) التي تصيب هذه القفران، وبدأت أواظب على تناول ملعقة عسل وتقديمه لعائلتي يوميا، ففائدة النحل تتعدى الفائدة الغذائية للعسل، إلى الحياة اليومية من نظام والمحافظة على البيئة وبالتالي الحفاظ على الحياة بسائر مقوماتها”.