لم أكن أعرف أن للحب عواصم أو مكان محدد بصوره الأرقى والأجمل ،وأن للفن سيمفونية عذبة بغاية الجمال أو حتى للموسيقى الرائعة ألحان وأنغام تختلف عن تلك التي نعرفها إلا عندما زرت فيينا ورأيت ذلك بعيني وسمعت أنغام سمفونية بغاية الجمال عن الحب الحقيقي وتعرفت على إنسانية الإنسان لروعة المكان فعندما نسمع كلمة فيينا (العاصمة النمساوية) فأول شيء يتبادر إلى ذاكرتنا هو أغنية: " ليالي الأنس في فيينا"، التي أطربتنا بها الفنانة الراحلة أسمهان.. و لو كنت من عشاق الموسيقى الكلاسيكية لتذكرت على الفور سيمفونيات شتراوس أو موزارت أو حتى بيتهوفن (الذي وُلد في ألمانيا وقضى حياته في فيينا) و شوبرت، هايدن، ماهلر، و شونبيرغ ولكن أسمهان حين غنت تلك الأغنية من كلمات الشاعر أحمد رامي الذي زارها وكتب كلماتها الصاخبة الرائعة التي تترك في القلب أثرا يداعب أوتار القلب بعشق حبور لتلك البقعة من الأرض في وسط أوروبا الخضراء النابض بالحب والجمال.
فهذه المدينة الخضراء مازالت تشع و تتلألأ بصروح تاريخية غاية في الجمال المعماري وتجذب إليها أعداداً لا تنقطع من السياح من كل بقاع العالم سنويا .. إذ تمتلك الكثير مما يستحق الزيارة.. من دار الأوبرا إلى مبنى البرلمان، ومن القصر الملكي الصيفي (شونبرون) إلى القصر الملكي الشتوي (الهوف بورغ).
حتى أنه كما قيل لي أنه بإمكانك خوض تجربة السكن الحقيقي في بعض قصور فيينا الفخمة التي تحوّلت بالفعل إلى فنادق على الطراز الكلاسيكي الحديث تستقبل الملوك والرؤساء وكبار الشخصيات من رجال الأعمال والفنانين وبعض الأغنياء.
فيننا الحديثة تُغذي وتُشبع جميع الحواس بروعة معالمها التاريخية المعاصرة بإطار ثقافي يحاور ثقافات العالم بأروع صورة إنسانية تعبق بالحياة.
تقع النمسا في وسط أوروبا، وقد تأسست منذ أكثر من 2000 سنة مضت، حيث كانت فيينا مركز إمبراطورية هابسبورغ لمدة 600 سنة. و هي المدينة الخضراء التي تقع على ضفاف نهر الدانوب الأزرق، ونصف مساحتها مغطاة بالأشجار الخضراء والحدائق والمروج والغابات.. وفي وسط فيينا التاريخية ستشعر بصخب المدينة العصرية، وستتلمس التاريخ المهيب، والمذهل للعائلات الحاكمة آنذاك، وتدرك حسن استقبال سكانها المحليين، وتستمتع بأماكن الترفيه، مع مزيج من الثقافات المتنوعة، لهذا فالعاصمة النمساوية فيينا، هي المدينة التي تغذي وتشبع جميع الحواس.
وتستمد شهرتها من فن معمارها الهندسي البديع ، ومن موسيقاها الساحرة وقهوتها ذات المذاق المميز، هذا كله إلى جانب الكثير من المعالم الشهيرة.
ومن أبرز المعالم السياحية في فيينا: القصور، ووسط المدينة التاريخي، والبولفار الدائري في المنطقة المجاورة مع متنزهاته الخلابة، والساحات والنصب التذكارية والمقاهي الشهيرة والتماثيل التي تحكي من عبروا في محطات تاريخها المغرق بالقدم منذ حب تاريخية مضت لكن آثارهم ماثلة للعيان.
أما قصر شونبرون (على الطراز الباروكي)، الذي كان بمثابة المقر الصيفي لعائلة هابسبورغ الحاكمة، فهو أحد معالم الجذب السياحي للنمسا، حيث يمثل الحقبة الإمبراطورية بفخامتها وهيبتها الملكية. فهو يسحر زواره بحدائقه الغنّاء، ودار النخيل، وحقول الأزهار والنوافير، وحديقة الحيوانات المجاورة للقصر والتي تم إنشاءها منذ 250 سنة مضت. وكذلك قصر بلفيدير الفاتن، الذي يسحر زواره بأسلوب فن العمارة والثروة الفنية التي يمثلها مع حدائقه ذات المناظر الطبيعية الساحرة التي تمتد عبر سهولها الخضراء كبساط أخضر من سندس وإستبرق.
ومن بين التطورات الحديثة يُعتبر حي المتاحف في مركز المدينة، الذي بدأ في سنة 1997 والآن فقد تشكلت منطقة ثقافية تشمل متحف ليوبولد، الكونستول، متحف زووم للأطفال، دار المسارح لجمهور الشباب، وأماكن الرقص، متحف الفن الحديث والعديد من المظاهر الثقافية الأخرى، ومرافق التسوق والترفيه. ويعد الآن واحداً من أكبر الأوساط الثقافية في العالم، حيث يجمع بين معاهد من مختلف المجالات الفنية، المطاعم، المقاهي، والمحلات التجارية في منطقة تمتد لأكثر من 60.000 متراً مربعاً.
نصف مساحة فيينا مغـطاة بالأشجار الخضراء والحدائق والمروج والغابات
وتُعدّ العاصمة "فيينا" واحدة من تســع أقاليم في النمسا. كما و تُعتبر بمثابة المدينة الرئيســية في البلاد، حيـث يبلغ عدد ســكانها حوالي مليونين وثلاثمائة نسمة، وهي حتى الآن تشكّل أكبر مدينة في البلاد. كما تمثّل مركزاً ثقافياً واقتصادياً وسياسياً هاماً. وهي عاشر أكبر مدينة من ناحية عدد السكان في الاتحاد الأوروبي. وتستضيف فيينا العديد من المنظمات الدولية الكبرى مثل منظمة الأمم المتحدة ومنظمة أوبك.
وتقع فيينا في شرق النمسا، قريباً من جمهورية التشيك وسلوفاكيا والمجر. وقد تم اختيار مركز المدينة من قبل منظمة اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي. وبغض النظر عن التاريخ والثقافة والموسيقى والهندسة المعمارية والبنية التحتية الحديثة، فإن فيينا تفتخر دائما بأنها تُعدّ واحدة من المدن الأكثر خضرة في العالم، إذ أن الغطاء الأخضر والغابات يشغل نحو نصف مجموع أراضيها.
كما أنها من بين عدد قليل من المدن التي مازالت تستضيف الحفلات الباذخة بتقاليد القرن التاسع عشر فتفاجئ بتقديم الحلوى اللذيذة لك بيد رجل يقوم بواجب الضيافة بزيه الكلاسيكي الجميل مرحبا بك بطريقته الرائعة.
إذا هنالك الكثير من المعالم في فيينا تدعوك لزيارتها واكتشافها، فلا يفوتك أن تستريح في أحد أشهر منتزهاتها الخضراء..والقيام بالتسوق في أشهر أسواقها الأنيقة "مارفيل" بالقرب من الأوبرا، والأفانت جارد، مع تناول فنجان القهوة بالنكهة النمساوية اللذيذة، و تذوق بعض القطع من الكيك الشهي أثناء مرورك بجانب محلات الحلويات النمساوية الشهيرة التي تصنع بأيدي سكانها من الطهاة الحرفيين بطريقة جاذبة فليس في مدن العالم طقوس ضيافة كتلك التي يتلمسها الزائر كلما جال في شوارعها التراثية العريقة المغرقة بالقدم ،فتتعلم لغتهم طواعية بأسلوب عصري أشبه بسيمفونية نادرة يعزف عليها سكانها بإبتسامة مشرقة وملامح وجه تقول لك أنت صاحب هذا المكان.