بعد صراع طويل وصامت مع المرض تجاوز الـ20 عاما، رحلت إلى دار البقاء، في 30 نوفمبر الماضي، الكاتبة المغربية الكبيرة وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي عن عمر ناهز الـ75 سنة.
وبرحيل المرنيسي تخسر الساحة الثقافية المغربية واحدة من أكبر علماء الاجتماع في العالم العربي، مخلفة وراءها أعمالا كثيرة في علم الاجتماع وفي الأدب ايضا. والمرنيسي من أشهر الكاتبات المغربيات المدافعات عن حقوق وقضايا المرأة.
وترجمت كتبها إلى أكثر من ثلاثين لغة في العالم، وكانت لها مساهمات كبيرة في الفعل الحقوقي والنسائي الذي طالما ناضل من أجل المساواة بين الجنسين، وصنفت ضمن لائحة المناضلات الـ100 الأوائل الأكثر تأثيرا في العالم، وذلك ضمن تصنيف أجرته صحيفة الجارديان البريطانية، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة قبل أربع سنوات، ولدت المرنيسي في مدينة فاس المغربية سنة 1940، وترعرعت في أوساط عائلية واجتماعية بورجوازية محافظة، وكانت من أوائل المغربيات اللواتي تلقين تعليما عربيا في مدارس خاصة بسبب معارضة والدها للتعليم في مدارس فرنسا الاستعمارية.
وواصلت الكاتبة الراحلة مسارها التعليمي في الرباط، قبل أن تنتقل إلى فرنسا حيث درست العلوم السياسية بجامعة السوربون في باريس، ثم إلى أمريكا لاستكمال مسارها العلمي، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع بجامعة برانديس كنتاكي الأمريكية، لتعود بعدها إلى المغرب كباحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وأستاذة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس بالرباط، وعضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة.
نجحت المرنيسي في دراساتها بمعرفة المشكلات التي تعيشها المرأة العربية مقارنة بالغربية، وأثارت أفكارها المتحررة جدلا واسعا لتعرضها للمحظورات الاجتماعية والدينية التي اعتبرتها عائقا أمام إثبات المرأة لذاتها وتخلصها من هيمنة المجتمع. واستطاعت أن تجد مقاربات للدفاع عن المرأة في إطار هويتها العربية والإسلامية.
وتميزت معظم أعمال المناضلة الرحالة برؤية نقدية لأوضاع المرأة في العالم الإسلامي ودعوتها لتحريرها من القيود الاجتماعية والمحظورات، مسلطة الضوء على مكامن الخلل في نظرة الثقافة الغربية للمرأة، وحصلت المرنيسي على العديد من الجوائز الأدبية، وفي عام 2003 حصلت على جائزة أمير استورياس الإسبانية (وهي أرفع الجوائز الأدبية في إسبانيا) مناصفة مع الناقدة والروائية الأمريكية سوزان سونتاغ.
وفي 2004 حصلت على جائزة إراسموس الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق جلال العظم والإيراني عبد الكريم سوروش، وكان محور الجائزة الدين والحداثة، ومن أشهر مؤلفات الراحلة فاطمة المرنيسي الحريم السياسي، والجنس كهندسة اجتماعية، وهل أنتم محصنون ضد الحريم؟، والجنس والأيديولوجيا والإسلام، وهي كتب بالفرنسية ترجمت إلى عدة لغات، بالإضافة إلى أعمال أخرى منها شهر زاد ليست مغربية، وما وراء الحجاب، والإسلام والديموقراطية، وشهر زاد ترحل إلى الغرب، وأحلام النساء الحريم، بالإضافة إلى سيرة ذاتية حملت عنوان "نساء على أجنحة الحلم".
انطفات شمعة فاطمة المرنيسي لكن لن تنطفئ شموع مؤلفاتها التي سيخلدها التاريخ وكلماتها التي لا تزال تصدح بها الحناجر.