واصل المؤتمر الدولي بعنوان "المرأة في الحياة العامة .. من وضع السياسات إلى صناعة الأثر"، الذي يقام تحت رعاية صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة عاهل البلاد رئيسة المجلس الأعلى للمرأة أعماله لليوم الثاني على التوالي.
وفي الجلسة الصباحية للمؤتمر التي عقدت برئاسة سعادة محافظ مصرف البحرين المركزي الأستاذ رشيد المعراج حول تعزيز الوصول إلى تكافؤ الفرص في القطاع الخاص، استعرضت السيدة صباح المؤيد الرئيس التنفيذي Intellect Resource Management عدداً من المعلومات والأرقام حول حضور المرأة البحرينية في القطاع الخاص، وقالت: "من خلال عملنا في مشروع خاص بالمجلس الأعلى للمرأة لإدماج احتياجات المرأة في القطاع المالي والمصرفي بمناسبة يوم المرأة البحرينية 2015، لاحظنا أن معظم المؤسسات المالية والمصرفية ترحب بتواجد المرأة في الإدارة العليا، ولكن يبدو أن على المرأة أن تكون أكثر تميزاً، وأن يكون لديها التحدي والاصرار لتفرض نفسها كمرشح هام لشغل هذه الوظائف".
وتابعت "لا يجب أن نكتفي بالطلب من الرؤساء التنفيذين للمؤسسات المالية أن يبادروا إلى توظيف وتمكين المزيد من النساء، بل يجب أن نساعدهم على ذلك ايضا".
من جانبها أوضحت السيدة نيكولا أهليومان رئيس برنامج الاستثمار في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD أن النساء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتقاضون أجراً أقل من 15% من نظرائهم الرجال، وهن غير موجودات بالشكل المطلوب في المناصب القيادية بالحياة العامة والسياسية والاقتصاد. وقالت "عندما ننظر إلى تدابير الدعم الموجودة في المنطقة نرى كثيرا من التحديات التي تواجه دخول النساء في مجال ريادة الأعمال، و12% فقط من النساء يمتلكن أعمالا خاصة وهذه أقل نسبة في العالم، حيث يصل متوسط النسبة العالمية إلى 32%"، وأوضحت في السياق ذاته أن 1.2% من المدراء هم نساء مقارنة بالنسبة العالمية 12%. وأشارت أهليومان إلى أن 24% من النساء في المنطقة العربية يدخلون إلى سوق العمل كموظفات مقارنة بنسبة 54% من النساء في جميع أنحاء العالم، مشيرة إلى ضرورة أن تحظى المرأة بدعم العائلة أو الزوج لتدخل سوق العمل.
وقالت "علينا تشجيع النساء على دخول ريادة الأعمال، وتشجيعهن أيضا على الدخول في أعمال لا تركز على بعض القطاعات مثل الصحة والتجميل كما يحدث حالياً"، وأضافت "غالبية النساء لا يشعرن بالأمان لأنهن يخفن من الفشل، ولا يؤمن بقدراتهن وهن لسن متفائلات بالنسبة لفرص العمل، كما لاحظنا في تقريرنا أن بعض العائلات أو الأزواج في المنطقة يمنعن المرأة من التنقل وأخذ المخاطرة، وهذا يخالف جوهر ريادة الأعمال".
السيدة إمانيولا بوزان مستشار أول في المساواة بين الجنسين في منظمة العمل الدولية اشارت بدورها إلى أن التوقعات تدل إلى أن عددا أكبر من النساء العربيات سيدخلن سوق العمل، لكن هناك في الوقت ذاته نسب بطالة مرشحة للارتفاع بين النساء أكثر.
وتطرقت بوزان إلى تركيبة بيئة العمل داخل الشركة أو المؤسسة في القطاع الخاص، وقالت "النساء غالباً عالقات في المناصب الإدارية الوسطى، غالباً في أقسام الموارد البشرية والعلاقات العامة، في وقت نجد الرجال في كل الأقسام بما فيهها المبيعات والعمليات والتشغيل وغيرها"، وأشارت إلى أن بعض الأقسام في الشركات تشكل "أرضية لاصقة" للنساء لا يمكنهن تخطيها.
وأوضحت أن النساء يشكلن 19% من عضوية مجالس الإدارات في الشركات الخاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، و5% في أوساط المدراء التنفيذيين، وهي من النسب الأقل عالميا.
وتحدثت بوزان عن ظاهرة "تسرب النساء من سوق العمل"، وقالت "المؤسف أيضا أن النساء غالبا تترك العمل في سن 40 أو 45 عاما، مفضلات التقاعد في هذا العمر، وهي الفترة التي تكون فيها المرأة قد أصبح لديها خبرة في العمل ومرشحة لتولي مناصب عليا، فيما يعتقد عدد كبير من النساء الموظفات في دول الخليج العربي تحديدا أنهن لا يتقدمن بسرعة كافية في العمل كما الرجال".
وتطرقت إلى ضرورة تطوير التشريعات وأن تكون شاملة، خاصة تلك التي تتعلق بالأمومة والحضانة وحتى "الأبوبة"، وقالت "الحد الأدنى لإجازة الأمومة يجب أن تكون 14 أسبوعا، فيما معظم الدول في الشرق الأوسط تمنح المرأة 10 أسابيع فقط!".
وأكدت أن إجازة الأمومة يجب أن تكون مدفوعة الأجر طبعا، لكن هذا سبب يدفع القطاع الخاص لعدم توظيف المرأة، فهو غير مستعد لتحمل دفع رواتب موظف لا يعمل لثلاثة أشهر مثلا، كما نجد أن صاحب العمل يبدأ بالتململ من الموظفة التي أصبح لديها طفلين أو ثلاثة يحتاجون رعايتها.
بدوره استعرض الرئيس التنفيذي لبنك ستاندرد تشارترد في مملكة البحرين والخليج العربي الدكتور بطرس كلينك تجربة بنك ستاندرد تشارترد في مجال تمكين المرأة، وقال "المساواة بين الجنسين في القطاع الخاص ليست قرارا يتخذ اليوم وينفذ غدا، وإنما هو بمثابة رحلة طويلة وعملية دؤوبة ومستمرة، وأنا فخور لأقول إننا في بنك ستاندرد تشارترد بدأنا في هذا الرحلة منذ نحو عشر سنوات، والآن نحصد ثمار هذه التجربة". وأضاف "لدينا 90 ألف موظف 48 ألفا منهم نساء، 38 بالمئة من المواقع القيادية في البنك تشغلها نساء من بينهن رئاسة الفرع الأساسي للصيرفة التجارية، والمدير التنفيذي في أوربا وأميركيا، وعدد كبير من الأقسام المختلفة، فنحن نعمل في 70 دولة وبعض المدراء التنفيذيين لأكبر البلدان مثل الصين وسنغافورة هن من النساء، فيما تصل نسبة النساء في فرعنا بالبحرين إلى 35% من إجمالي الموظفين".
وشدد كلينك على حرص البنك على منع جميع مظاهر العنف ضد المرأة في مكان العمل، مثل العنف اللفظي أو السلوكي وغيره، كما تطرق إلى ضرورة توفير بيئة عمل مرنة لعمل المرأة، وقال "كثير من الأحيان يقوم البنك بمنح النساء كمبيوتر محمول لتأدية بعض الاعمال من المنزل بعد نوم أطفالهن"، كما تطرق إلى ضرورة توفير حضانات يومية آمنة للأطفال في مكان العمل.
أما الجلسة المسائية لمؤتمر "المرأة في الحياة العامة .. من وضع السياسات إلى صناعة الأثر" فعقدت تحت عنوان "دور المجتمع المدني في تعزيز ادماج احتياجات المرأة" أدارتها الدكتورة سميرة التويجري مستشار السياسات الصحية والتغذية والسكان في البنك الدولي.
وتحدثت خلال الجلسة الدكتورة فاطمة البلوشي وزيرة التنمية الاجتماعية الأسبق في البحرين عن عراقة وتطور المجتمع المدني في البحرين، مشيرة إلى وجود كثير من كيانات المجتمع المدني الداعمة للمرأة كجمعيات أهلية متخصصة بالنساء، ولجان في جمعيات أخرى، وقالت "الجمعيات النسائية في البحرين وهي من أعرق الجمعيات في الخليج، وكان لها دور كبير منذ خمسينات القرن الماضي في تمكين المرأة، وبادرت بالدفع في الكثير من القضايا الخاصة بدمج المرأة وتحقيق حقوقها، ومن ذلك عملها على قانون أحكام الأسرة.
وأوضحت البلوشي أن المجلس الأعلى للمرأة كجهة رسمية لديه لجنة أساسية هي لجنة التعاون مع الجمعيات الأهلية الخاصة بالمرأة، وهي لجنة فاعلة جدا، وهذا دليل على الشراكة. واشارت على صعيد ذي صلة أن حكومة البحرين من أولى الحكومات التي بدأت بتقديم خدمات للمواطنين من خلال الشراكة مع الجمعيات الأهلية.
فيما أشار السيد براين أغيلير مدير مكتب تنسيق المساعدات في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية إلا أن نسبة النساء في الكونغرس لا تتعدى الـ 19%، وقال إن هذه النسبة أقل بكثير من عدد كبير من دول العالم، ودول الشرق الأوسط، ودعا أغيلير إلى مزيد من الشراكة الفعالة بين مكتبه من جهة والجمعيات الأهلية في المنطقة وخاصة في قضايا تمكين المرأة، وبما يسهم في تحقيق الرؤى المشتركة.
ذلك فيما عرض السيد زيد بني عامر المؤسس والمدير العام لمركز الحياة لتنمية المجتمع المدني في الأردن تجربة المركز والاستراتيجيات التي يتبعها لدعم مشاركة المرأة في الحياة العامة. وخص بالذكر برنامج "رصد" الذي يعتمد على استمارات لتقييم أداء النواب في البرلمان الأردني، وأشار إلى أن ثلاث سيدات جئن ضمن قائمة أقوى 10 نواب البرلمان، علما بأن عدد السيدات كاملا في المجلس هو 19 من أصل 150نائب، وهذا أكد فاعلية حضور المرأة في مجلس النواب، وأشار إلى أن نشر هذه الأرقام حفز الإعلام الأردني أن المرأة يمكن أن تؤدي دورا كبيرا في كل المجالات.
أما السيدة هدى بناني رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب فاستعرضت تجربة الجمعية، وأوضحت أن مفهوم مقاربة النوع الاجتماعي هي مقاربة تهتم بالأدوار والعلاقات والمسؤوليات، والتي تحدد الوصول إلى الموارد والفرص والتمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والوصول إلى مراكز القرار والقدرة على التفاوض، وأضافت أنها مقاربة تتغير حسب الزمان والمكان وحسب الإطار الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي.
من جانبها كشفت الدكتورة أماني قنديل الرئيس التنفيذي للشبكة العربية للمنظمات الأهلية في جمهورية مصر العربية عن تضاعف عدد منظمات المجتمع المدني في مصر خلال العامين الآخرين، حتى وصلت إلى أكثر من 256 ألف منظمة في المنطقة العربية، ودعت إلى وضع محددات وضوابط للعمل المدني، وأخيرا قدمت الدكتورة سكينة بوراوي المدير التنفيذي لمركز التدريب والبحوث كوثر في تونس عرضا عن المركز الذي يعمل في 22 دولة عربية.
وعلى هامش المؤتمر، نظم المجلس الأعلى للمرأة برنامجاً للمشاركين في المؤتمر الدولي "المرأة في الحياة العامة .. من وضع السياسات إلى صناعة الأثر" تضمن زيارة لمركز تنمية قدرات المرأة البحرينية "ريادات" الذي تم تنفيذه بالشراكة بين المجلس الأعلى للمرأة وبنك البحرين للتنمية كأول حاضنة في الشرق الأوسط توفر خدمات الاحتضان للنساء، حيث جرى تعريفهم بأهم ما تضمنه الحاضنات البالغ عددهن 54 حاضنة. وتضمن البرنامج كذلك جولة تعريفية إلى متحف البحرين الوطني حيث أطلعوا على أهم قاعات المتحف رفقة مرشدين سياحيين بهدف التعريف بتاريخ البحرين وتراثها الوطني.
هذا ويختتم مؤتمر "المرأة في الحياة العامة .. من وضع السياسات إلى صناعة الأثر" أعماله يوم الخميس بجلستي، هي الجلسة الرابعة بعنوان "تعزيز تكافؤ الفرص في الممارسات البرلمانية والانتخابية" ويتم خلالها استعراض نهج الدول في تعزيز تكافؤ الفرص ضمن الممارسات البرلمانية والانتخابية على وجه الخصوص، من خلال تسليط الضوء على أفضل الممارسات المتعلقة بتعزيز تكافؤ الفرص في التشريعات والسياسات وذلك في البلدان الأعضاء في (MENA) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والتحديات والفرص المتبقية لبناء البرلمانات المراعية لإدماج احتياجات المرأة في المنطقة، بما في ذلك وصول المرأة إلى المناصب السياسية، مع عرض أمثلة على الشراكات الوطنية والدولية الفعالة لتعزيز ادماج احتياجات المرأة في السلطة التشريعية.
أما الجلسة الخامسة للمؤتمر، ستكون بعنوان "إدماج احتياجات المرأة وتطبيق المساءلة من وضع الاستراتيجيات الى صناعة الأثر" وسيتم خلالها التركيز على استكشاف نهج الدول في بناء آليات فعالة للمساءلة لضمان تنفيذ السياسات والمبادرات المعنية بإدماج احتياجات المرأة. مع تسليط الضوء على دور آليات المساءلة في تعزيز استدامة السياسات المراعية لإدماج احتياجات المرأة في القطاعين العام والخاص، والممارسات في البلدان الأعضاء في (MENA) و(OECD) لتطوير آليات مساءلة فعالة لسياسات ادماج احتياجات المرأة، وآليات قياس ورصد التقدم المحرز في مجالات تمكين المرأة وضمان شفافية النتائج.