الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

التمييز ضد الأردنيات وصمة عار سوداء

  • 1/2
  • 2/2

ارملة اردنية واولادها الخمسة قابعون في باكستان يعيشون على صدقات ومساعدات من ناس طيبين حولهم، وينتظرون أي دليل على إنسانية السلطات الاردنية (أو حــذقها السياسي) واذنها لاولادها بالذهاب الى الاردن والتراجع عن قرارها بسحب وثائقهم الاردنية الرسمية، بعد وفاة والدهم الذي كان يحمل جواز سفر اردنيا مؤقتا.
انا لا اريد التركيز على حق المرأة هذه، وغيرها الاف اخريات، الذي كفله لها الدستور الاردني بـ’الطمأنينة’ وبالحماية والمساواة، ولكن اود ان اذكر ان الرئيس عبد الله النسور صرح، في مؤتمر حضره اكثر من مئتي ناشط وناشطة في هذا الموضوع قبل ثلاث سنوات، بانه يؤمن بأحقية هذه القضية وأنه لم يعد مقبولا للدولة الاردنية ان تتجاهل هذا الحق، كما وعد شخصيا بأن يعمل على ايجاد حل لهذا الموضوع.
يجب ان اعترف بان هذه التصريحات كانت قبل ان يستلم النسور مسؤولية الرئاسة، ولكن اعتقد انه عبر عن رأيه بكل ايمان وامانة وصدق فلذلك اتوجه الى رئيس الوزراء الاردني واذكره باننا ما زلنا بانتظار ان يستعمل وزنه السياسي ويستغل سلطته الواسعة لاعادة الاحترام للمرأة الاردنية، مهما كانت جنسية من اختارت ليكون شريك حياتها.
واعتقد ان دولة الرئيس سيجني نتائج ايجابية ويحصل على ‘مردود سياسي مهم’ اذا استغل هذا الموضوع لصالح الحريات في الاردن، خصوصا اننا نحن الناشطين في هذا الموضوع مقتنعون باننا سنفوز في هذه القضية، آجلا أم عاجلا، وان الموضوع موضوع وقت فقط لا غير.
واركز هنا على ما اسميه ‘مردودا سياسيا’ لقناعتي – واعتقد ان الرئيس مقتنع معي بأن اصرار الاردن على الاستمرار في هذا التمييز ضد مواطناته الاردنيات يمثل نقطة سوداء (لا بل وصمة عار سوداء) على صورة الاردن كدولة محترمة من المجتمع الديمقراطي الدولي، الذي يحترم حقوق الانسان والذي يحترم نساءه قبل رجاله ويحمي اطفاله، هذا العالم الذي نتظاهر اننا مثله شفهيا، ولكن الحقيقة غير ذلك تماما في هذا الموضوع بالذات.
وانا متأكدة من ان كل دبلوماسي اردني يخدم في سفاراتنا في اي دولة ديمقراطية محترمة من الدول المتقدمة قد عاد لنا بتساؤلات الدولة المضيفة عن هذا الموضوع بشكل مستمر، واعتقد انه الان اصبح موضوعا محرجا ومخزيا لنا. ولذلك، على المستوى الدولي على الاقل، اعتقد انه اصبح ضروريا على النسور ان يقدم حلولا واضحة تساوي وضع المرأة الاردنية المتزوجة من اجنبي بالرجل الاردني المتزوج من اجنبية، ويحصد بالتالي من مردود هذه الحركة السياسي المهم للاردن في المجتمع الدولي، ويمكن استثماره في مواضيع اهم، على الاقل لنتمكن من التباهي بصدق بمنظومتنا الانسانية المتماشية مع المتطلبات الدولية بالنسبة لحقوق الانسان.
ولكن اهم من هذا وذاك، وأصل هنا الى لب الموضوع، فإن اتخاذ قرار حازم وجريء في هذا الموضوع سيعطي رسالة سياسية مهمة الى الشعب الاردني عن المواطنة والانتماء الى الوطن، في وقت نحن بحاجة الى مراجعة وتفكيرعميق في هذه المفاهيم بالذات خلال هذا المشوار الذي نخوضه نحو زيادة الوعي العام والوصول الى النضوج السياسي.
لم يعد مقبولا ان نهز رؤوسنا موافقين ومتفهمين في كل مرة يربط هذا الموضوع بكلمة ‘الفلسطينيين’. يجب ان نسأل انفسنا ما هو بالضبط الذي فهمناه ووافقنا عليه؟ هل قبلنا ان مفهوم وسياسات ‘الامن الوطني’ في الاردن مبنية على فكرة زيادة ومأسسة عذاب ‘الفلسطيني’ واطفاله؟ هل يعني اننا نتفق ونوافق على ان سياسات الاردن تتطلب تقزيم ‘الفلسطيني’ والدفش به الى اوطأ منازل البنيان الاجتماعي والاقتصادي الاردني؟ هل يعني اننا نخاف ونتوجس من ان تنقلب الموازين الديمغرافية في الاردن وتتحول لغة الدولة من الاردنية الى الفلسطينية؟ هل لدينا رعب من ان تقوم معظم عائلات الاردن بطبخ الملوخية بدل المنسف، ومحو ثقافتنا الاردنية بالتدريج؟ هل نعتقد اننا اذا سلمنا جنسيتنا لاطفال الاردنية وزوجها الفلسطيني سيهاجر سكان فلسطين المحتلة الى الاردن هؤلاء الصامدون الذين لم يهجروا بلدهم المحتل ولم ينسوا قضيتهم طيلة هذه العقود من السنوات – ويتزوجون بناتنا في عرس جماعي بغرض الحصول على الجنسية الاردنية؟ هل لدينا رعب من ان يتحول الاردن الى معمعة من التزاوج والاختلاط والذرية ‘الهجينة’؟
انها حركة جسدية مرفوضة تلك التي نقوم بها عندما نهز رأسنا موافقين كأن هناك اجماعاً وفهماً جماعياً اردنياً لمتطلبات حماية أمن الاردن ودمغرافيته وهويته ومستقبله من ‘الجيل الفلسطيني’ القادم لبلعنا نتيجة زواج الاردنية بالفلسطيني واحتواء اطفالهما تحت الجنسية الاردنية. يجب ان نتذكر ان هؤلاء ‘الفلسطينيين’ ليسوا كذلك تماما، فهم ابناء وبنات، من ناحية الوالدة، عائلات اردنية عريقة ومرموقة لها تاريخ وباع طويل في هذه البلد وهؤلاء يحلمون بأكل الملوخية بنفس الحميمية التي يحلمون بها بأكل المنسف ويتحدث هؤلاء باللهجة الاردنية والفلسطينية معا وبنفس الطلاقة..هؤلاء يفهمون ويحبون ويلعبون ويتفاهمون ويعملون بلا حواجز نفسية او سياسية، لانهم ابناؤنا وابناء هذا الوطن وابناء فلسطين والاردن معا.
هل كنا نبحث عن عرق صاف في الاردن؟ هل أعلنا ان الاردن سيكون فقط ‘للاردنيين الصافين’ ولن نقبل بالذريات المختلطة الملوثة بالجنسيات والاصول الاخرى؟ هل لدينا وعي كاف لفهم ما نحن نوافق عليه كل مرة هززنا فيها رؤوسنا موافقين؟
الدراسات في هذا الموضوع في الاردن بينت ان التمييز القائم ضد المرأة الاردنية في هذا الموضوع لم يعد مرتبطا بالفلسطينيين فقط، مع ان هذه هي الحالة التي تستخدمها الحكومة لتفسير التمييز، لأنها تعتقد اننا نفهم ونتفهم مسألة المخاوف الامنية، اكثر بكثير من ايماننا بالحقوق والحريات. ويتضح من تلك الدراسات اننا نخاف من التغيير الذي سيرافق الانفتاح على المجتمعات الاخرى، وبالتالي التزاوج المتزايد بين بناتنا وابناء الجنسيات الاخرى، الذي اصبح يضم المصريين والعراقيين والسودانيين والسعوديين وغيرهم من جنسيات اخرى. الخوف من التغيير الذي سيحصل عندما تبدأ الاجيال القادمة، ابناء هذه الزيجات، بحمل الجنسية الاردنية وازدياد ارقام افراد عائلاتهم التي ستحمل بالضرورة اسماء عائلات جديدة غريبة عن النسيج الاجتماعي الاردني المعتاد والمحافظ على تركيبته العشائرية والعائلية المعتادة. هذه العائلات الجديدة باسمائها الغريبة وعاداتها الغريبة ستبدل وتدريجيا تحول التركيبة السياسية في الاردن من معادلتها المعتادة والتفاضلية التي تقسم الاردن تقريبا بالنصف بين اردنيين ‘اصليين’ واردنيين ‘متأردنين’ معظمهم من اصول فلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية وشركسية وارمنية وغيرها الى معادلة مدنية مبنية على مفاهيم المواطنة والانتماء للوطن من غير الالتفات الى الاصول والتاريخ والمعادلات القديمة لتوزيع المصالح والفوائد والامتيازات.
لا بد ان يأتي اليوم الذي نفهم فيه ان هذه المخاوف ليست مخاوف وتوجسات اردنية فقط. هذه المشاعر والهواجس موجودة في بلاد العالم الاخرى في قريتنا الدولية التي اصبحت فيها الحواجز غير مرئية وغير مقبولة وغير ممكنة. هذا ما تحصل عليه عندما تنضم الى دول العالم وتوافق على السفر بينها والتعرف عليها.
لم يعد من الممكن ان يقوم الاردن وحده بمجابهة هذا التحول الاجتماعي الدولي ولا يمكن للاردن تجاهله ومحاولة قمعه باستعمال ادوات ملتوية وغير دستورية او قانونية او ديمقراطية تفرق بين المواطن والاخر على اساس الجنس والجنسية.
يجب على الحكومة والبرلمان والديوان في الاردن التوافق على رسالة سياسية موحدة تقول: نؤمن بالمساواة بين المواطنـــين الاردنيين في الحقوق والحـــــريات المرتبطة بالمواطنة، ولذلك سنغير قوانين الجنسية والاقامة؛ لدينا مخاوفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولذلك ســــتكون هذه القوانين منظمة للحقوق، مع المحافظة على مبدأ المساواة بين الجنسين في هذا الموضوع، والتزاما بالشرعية الاممية التي وقعنا مواثيقها؛ لن نقبل بقوانين تمييزية ضد الاخرين. نقطــة ونهاية. وعندها سنهز رؤوسنا موافقين وموافقين جدا.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى