تقول العرب: حَضَنت المرأة ولدها ضمّته إليها، وكذلك حضنت الحمامة بيضها .
والحِضْنُ (بكسر الحاء ): ما دون الإِبْط إلى الكَشح وقيل هو الصدر والعَضُدان وما بينهما والجمع أَحْضانٌ ومنه الاحْتِضانُ وهو احتمالُك الشيءَ وجعلُه في حِضْنِك كما تَحْتَضِنُ المرأَةُ ولدها فتحتمله في أَحد شِقَّيْها، وفي الحديث أَنه خرج مُحْتَضِناً أَحَدَ ابْنَي ابْنَتِه أَي حامِلاً له في حِضْنه، والحِضْنُ الجَنْبُ وهما بالتالي حِضْنانِ .
وفي حديث أُسيدِ بن حُضَير أَنه قال لعامر بن الطُّفَيل اخْرُجْ بِذِمَّتِك لئلا أُنْفِذَ حِضْنَيْك، والمُحْتَضَنُ الحِضْنُ قال الأَعشى:
عَرِيضة بُوصٍ إِذا أَدْبَرَتْ *** هَضِيم الحَشا شَخْتة المُحْتَضَنْ
البُوصُ العَجُزُ، وحِضْنُ الضبُع وِجارُه. قال الكميت:
كما خَامَرَتْ في حِضْنِها أُمُّ عامِرٍ *** لَدَى الحَبْلِ حتى غالَ أَوْسٌ عِيالَها
قال ابن بري: حِضْنُها الموضعُ الذي تُصاد فيه، ولَدى الحَبْل أَي عند الحَبْل الذي تصادُ به ، ويروى لِذِي الحَبْلِ ( بالذال) أَي لصاحب الحَبْل ويروى عالَ بعين غير منقوطة لأَنه يُحْكى أَن الضَّبُعَ إذا ماتَتْ أَطْعَمَ الذِّئْبُ جِراءَها ومَنْ روى غالَ بالغين المعجمة فمعناه أَكَلَ جراءَها ، وحَضَنَ الصبيَّ يَحْضُنُه حَضْناً وحِضانةً (بكسر الحاء وفتحها كما في المصباح ) جعله في حِضْنِه.قال ابن فارس في مقاييسه:
الحاء والضاد والنون أصل واحد يقاس، وهو دال على الحفظ والصيانة، احتضنت الشيء ضممته إلى حضني، وأورد شعر الكميت:
ودويَّةٍ أنفذْتُ حِضْنَـيْ ظَلامهـــا *** هُدُوّاً إذا ما طائـر الليل أبصرَ
وطائر الليل كما لا يخفى هو الخفاش.
والحَـضْـنُ أيضا مصدر كما قال الكسائي، أما الحَضَن بالتحريك فليس هنا مكانه، قيل هو من أسماء العاج، وهو اسم جبل أيضــاً..
ويطالعنا في باب الحضانة هنا ثلاثة كتب هي:
مخطوط الإبانة في مسائل الحضانة لشهاب الدين الطيبي الصالحي الدمشقي (910-979هـ =1505 -1572م)(1).وهي شعر تقع في مئة وثلاثة أبيات.
والإبانة في صحة إسقاط الحضانة لبدر الدين القرافي، من كتب الزيتونة.
والإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة للسيد محمد أمين الدمشقي الحنفي المعروف باسم ابن عابدين، رحمه الله( ت 1252 هـ) (2).
ولو رحنا نتكلم بلغة ابن فارس وابن جني ، وعلى طريقة أستاذنا المرحوم الشيخ محمد عنبر ( صاحب جدلية الحرف العربي) لوجدنـــا:
الحَـضْـن ضمٌّ واحتواء ٌ للشيء واشتمال له الى الصدر وما حوله ، وهنا نجد أن عكس المبني يفيد في عكس المعنى.
نَضَح: من قولنا نضح الماء رشّــه ورمى به ، تعاكس الضم والحضن تماما ، وصدق مَنْ قال: "وبضدها تتميّزُ الأشياءُ " !!!
ويقول صاحب اللسان:
ويقولون: النَّضْح ما بقي له أَثر كقولك على ثوبه نَضْحُ دَمٍ، والعين تَنْضَحُ بالماء نَضْحاً إِذا رأَيتها تفور،( قلت: والفورانُ شكلٌ من أشكال القذف والإخراج) وكذلك تَنْضَخُ العين( بالخاء)؛ وقال أَبو زيد: يقال نَضَخَ عليه الماءُ يَنْضَخُ، فهو ناضخٌ؛ وفي الحديث: يَنْضَخُ البحرُ ساحلَه.
وقال الأَصمعي: لا يقال من الخاء فَعَلْتُ، إِنما يقال أَصابه نَضْخ من كذا؛ وقال أَبو الهيثم: قول أَبي زيد أَصح، والقرآن يدل عليه، قال الله تعالى: ((فيهما عينان نَضَّاختان)) سورة الرحمن/ ؛ فهذا يشهد به. يقال: نَضَخَ عليه الماء لأَن العين النَّضَّاخة هي الفَعَّالة، ولا يقال لها: نَضَّاخة حتى تكون ناضحة؛ قال ابن الفرج: سمعت جماعة من قيس يقولون: النَّضح والنَّضْخُ واحد؛ وقال أَبو زيد: نَضَحْتُه ونَضَخْته بمعنى واحد؛ قال: وسمعت الغَنَوِيّ يقول: النَّضْح والنَّضْخُ وهو فيما بان أَثره وما رق بمعنى واحد. قال: وقال الأَصمعي: النَّضْح الذي ليس بينه فُرَجٌ، والنَّضْخُ أَرَقّ منه؛ وقال أَبو لَيْلى: النَّضْحُ والنَّضْخُ ما رَقَّ وثَخُن بمعنى واحد.
ونَضَحَ البيتَ يَنْضِحُه، بالكسر، نَضْحاً: رَشَّه؛ وقيل: رشه رشّاً خفيفاً.
وانْتَضَح عليهم الماء أَي تَرَشَّش.
وفي الحديث: المدينة كالكِير تَنْفي خَبَثَها وتَنْضَحُ طِيبَها، روي بالضاد والخاء المعجمتين وبالحاء المهملة، من النَّضْح وهو رش الماء.
ولنعد للمقارنة بين(ح ض ن) وبين ضدِّهــا ( ن ض ح) فنلاحظ:
في( حضن): الحرفان الأوليان( ح ض) ومنهما الفعل( حضَّ) بتضعيف الحرف الثاني ، وهو انتصار لمن قال أن الأصل في أفعالنا الثلاثي وليس الثنائي، قال في اللسان:
الحَضُّ: ضرْبٌ من الحثّ في السير والسوق وكل شيء.
والحَضُّ أَيضاً: أَن تَحُثَّه على شيءٍ لا سير فيه ولا سَوْقَ، حَضَّه يَحُضُّه حَضّاً وحَضَّضَه وهم يَتَحاضّون، والاسم الحُضّ والحِضِّيضَى كالحِثِّيثَى؛ ومنه الحديث: فأَين الحِضِّيضَى؟ والحُضِّيضَى أَيضاً، والكسر أَعلى، ولم يأْت على فُعِّيلَى، بالضم، غيرها. قال ابن دريد: الحَضُّ والحُضُّ لغتان كالضَّعْف والضعْف، قال: والصحيح ما بدأْنا به أَن الحَضّ المصدر والحُضّ الاسم. وقال الأَزهري: الحَضُّ الحَثُّ على الخير.
ولكن ما أصــلُ الحض (ح ض ض)؟
لنتذكر الحضيض وهو الانخفاض، قال المعجم: والحَضِيضُ: قَرارُ الأَرض عند سَفْح الجَبَل، وقيل: هو في أَسفله، والسَّفْحُ مِنْ وراءِ الحَضِيض، فالحَضِيض مما يلي السفح والسفح دون ذلك، والجمع أَحِضَّة وحُضُضٌ
. والحضيض يشير إلى الدفء والاحتضان والاشتمال، فصدر الجذر(ح ض ن) يدل إذن على الجذر كله، وهو يترجم قولهم ( الكتاب يُقْرأ من عنوانه)!
ثم لنتأمّـلْ الجذر ( نضح) وصدر الجذر الحرفان( ن) و(ض) ، والنون مع الضاد يشكلان أيضا الفعل ( نَّضَّ) بتضعيف الحرف الثاني، الضاد، ونقرأ فيه:
النَّضُّ: نَضِيضُ الماء كما يَخرج من حجر. نَضَّ الماءُ يَنِضُّ نَضّاً ونَضِيضاً: سالَ، وقيل: سالَ قليلاً قليلاً، وقيل: خرج رَشْحاً؛ وبئر نَضُوضٌ إِذا كان ماؤها يخرج كذلك.
والنَّضَضُ: الحِسى وهو ماء على رَمْل دونَه إِلى أَسفل أَرض صُلْبة فكُلَّما نَضَّ منه شيء أَي رَشَحَ واجتمع أُخِذ. والحسو معلوم وهو استخراج الماء من الأرض الرملية، عند سكان الصحراء بعلامات يعرفونها بالخبرة والتجربة!
وقال صاحب اللسان: اسْتَنَضَّ الثِّمادَ من الماء: تَتَبَّعها وتَبَرَّضَها؛ واستعاره بعضُ الفُصَحاء في العَرَضِ فقال يصف حالَه: وتَسْتَنِضُّ الثِّماد من مَهَلي، والنَّضِيضُ: الماء القَلِيلُ، والجمع نِضاضٌ.
وفي حديث عِمْرانَ والمرأَة صاحِبةِ المَزادةِ قال: والمَزادةُ تكاد تَنِضُّ من الماء أَي تَنْشَقُّ ويخرج منها الماء. يقال: نَضَّ الماءُ من العين إِذا نَبَعَ، ويُجْمَعُ على أَنِضَّةٍ؛ وأَنشد الفراء: وأَخْوَتْ نُجُومُ الأَخْذِ إِلا أَنِضّةً،*** أَنِضَّةَ مَحْلٍ، ليس قاطِرُها يُثْرِي
أَي ليس يَبُلُّ الثَّرى.
فالنضُّ إخراج وإبعاد، مثلما أنَّ الحض إدخال ودفء، وهو تماما كقولنا:
الحضن والنضح ضدان، حضانة الأم لوليدها ، تضاد نضح الشيء وإخراج محتوياته للخارج.
وبعد هذه المقارنة الجذورية عرفنا أننا أمام لغة دقيقة راقية، ذات دلالات ومقاييس محكمة.
==============الحاشية:
(1)- الطيبي منسوب لقرية الطيبة في غوطة دمشق، فقيه شافعي متصوف له كتب غير الابانة أهمها زاد الأبرار،وغيره ، واسمه احمد بن أحمد بن بدر الدين بن إبراهيم، ولقبه شهاب الدين.الصالحي الدمشقي .
ينظر لترجمته شذرات الذهب لابن عمــاد الحنبلي 8/393
هدية العارفين 5/147
ومجمع اللغة العربية بدمشق 48/330 والأعلام وغيرها.. وفي الإبانة يقول:
وبعد فاعلم من يلي الحضانةْ *** فهـو خَـفيّ نظمُنــــا أبـانــــهْ
(2)-ابن عابدين: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد بن عبد الرحيم الدمشقي الحنفي صاحب الحاشية المشهورة في الفقه الحنفي، ينظر ذيل كشف الظنون 3/7 .