تَدفق الناخبون والناخبات إلى مقرات الانتخابات البلدية في مشهد سلس بعيداً عن أي توتر أو مشاحنات، فبعضهم أحضر والده كبير السن ليدلي بصوته، وأخريات فضلنّ القدوم بشكل جماعي ليمارسوا جميعاً حقهم في انتخاب مجلس يعوّلون عليه كثيراً.
لا شك أن السمة والعلامة الأبرز في هذه الانتخابات هو دخول المرأة إلى المجلس البلدي، وبغض النظر عن عدد الفائزات في هذه الانتخابات، إلا أن المشاركة والإصرار على التوجه إلى المقرات الانتخابية، كانت محكاً حقيقياً على رغبة المرأة في إثبات وجودها كرقم مؤثر في الحياة العامة، والأهم أن مجموعة لا بأس بها منهن لم يتم مضايقتهن أو التأثير عليهن أو منعهن بل تم تشجيع بعضهن إما من قبل المقربين لهن أو المحيطين، وهذا هو المطلوب تجاه المرأة في بلادنا والتي يثار حول حقوقها حديث لا يجب أن يكون..
الأمر الآخر أن المرأة السعودية استطاعت تحقيق نجاحات ملموسة، وقد قدمت نفسها بشكل مناسب في عدة محافل، وبالتالي فإن محفل الوطن هو الأهم بالنسبة لها، والوقائع تقول لنا إننا بصدد أجيال من الشباب والشابات يمتلكون تعليماً عالياً واطلاعاً واسعاً، ولديهم القدرة على الخدمة في المجال العام، ولقد رأينا كثيراً من المبادرات الاجتماعية والتجارية تنجح ويقف وراءها شبّان، وهذا لا يقتصر على المدن الكبرى بل في المحافظات والقرى.
الأمر الهام في المسألة الانتخابية هو الوعي وتشكيل هذه الثقافة التي يفترض أن تكون مبنية على أساس اختيار الأكفأ والأجدر لا على اعتبارات أخرى، وفي واقع الأمر لا يمكن الجزم إن تم اختيار المرشحين أو المرشحات للمجالس البلدية على أساس الكفاءة لكن خوض هذه التجربة واستمرارها وتطويرها أمرٌ غاية في الأهمية، والدلالة الانتخابية ليست في منح الصوت للمرشح بل في إجابة الناخب على سؤال جوهري، لماذا أعطيت المرشح صوتك؟ إذ سيترتب على ذلك تحمّل مسؤولية ألا يؤدي المجلس البلدي المطلوب منه، لأن اختياره لم يراعِ القدرة بل القربى.
كان شعار "كن جزءاً من التطوير" مرفوعاً في المقرات الانتخابية وقصد المسؤولون في وزارة الشؤون البلدية والقروية أن المجلس يفترض به القيام بمهام تسهم في تطوير الأحياء والنطاقات البلدية، وبالتالي فإن الوزارة اليوم أمام استحقاق تنفيذ التزامها بجعل مخرجات هذه المجالس واضحة للرأي العام لا أن يكون آخر عهدنا بالمجالس الانتخابية هي الانتخابات.
شكلت هذه الانتخابات فرصة لوسائل الإعلام الدولية لرصد التجربة الانتخابية في المملكة، وقد غطت هذه المناسبة وسائل إعلام من شرق آسيا وشمال أوروبا لم تكن تولي اهتماماً بانعكاس الانتخابات على الحياة العامة بل ركزت على تعامل السعوديين مع هذا الاستحقاق. إن نجاح هذه العملية ومرورها دون تشويش أو منغصات، نجاحٌ للجميع علينا أن نحافظ عليه وندعمه ونساند نتائجه.