شكّلت مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات البلدية التي جرت الأسبوع الماضي، محطة مهمة، وقد تكون تاريخية للمرأة والمملكة على حدّ سواء. إذ إنها المرة الأولى التي تشارك فيها المرأه بانتخابات عامة، بالرغم من أنه تم تعيين عدد لا بأس به من النساء في مجلس الشورى غير المنتخب.
بالرغم من تدني نسبة النساء المرشحات، وبالتالي الناجحات (17 سيدة)، إلا أن الموضوع يتجاوز العدد. فالبعد الرمزي أو المعنوي لمشاركة المرأة قد يكون الأهم، وبخاصة أن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية لم تأتِ ضمن "كوتا" نسائية، بل كانت منافسة مفتوحة مع الرجال في مجتمع يعد من بين الأكثر محافظة في المنطقة والعالم.
هناك أسباب عدة لزيادة مشاركة المرأة في الحياة العامة من خلال المشاركة في مجلس الشورى، والآن الانتخابات البلدية. فعندما اندلع "الربيع العربي"، قامت العديد من الدول العربية بإجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية لامتصاص غضب الشارع، وإفساح المجال لمشاركة منضبطة، والسعودية لم تكن استثناءً. وبالتالي كان القرار بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، إضافة الى إصلاحات أخرى.
أما العامل الثاني المهم، فهو أن التغير الذي شهده المجتمع السعودي خلال العشرين سنة الماضية كان كبيراً، سواء على الصعيد الاقتصادي أم الاجتماعي. ومن أهم هذه التحولات تلك الديمغرافية، إذ أصبحت شريحة الشباب من أكثر الشرائح في السعودية، وهذا يعني أنها تلقت تعليماً حديثاً، ولديها اطلاع واسع على ما يدور في الدول المجاورة والعالم. كذلك، يوجد عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين الذين درسوا في الخارج، وعاشوا في مجتمعات مختلفة. أضف إلى ذلك ثورة الاتصالات والمعلومات التي خبرتها المملكة، ما أثر في معرفة السعوديين والسعوديات بالعالم، وأثر على قيمهم وطموحاتهم الاجتماعية والسياسية باتجاه مزيد من الإنتاج والحداثة.
أما السبب الآخر، فهو لا شك أن الأصوات المنتقدة لوضع المرأة في السعودية في الخارج قد تعالت، ولاسيما مشاركة المرأه في الحياة العامة، بخاصة بعد "الربيع العربي". وقد يكون هذا الإجراء استجابة غير مباشرة لهذا الضغوطات.
بصرف النظر عن الأسباب، فإن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية في السعودية مهمة. ولكنها تثبت مبدأ ضرورة مشاركتها في الحياة العامة. وإذا ما نجحت، فستكون بداية لخطوات مقبلة.
نجاح المرأة في الانتخابات البلدية سيشكل حافزاً للنساء لمزيد من المساواة مع الرجل. ومن ثم قد تفتح الباب لتطورات أكثر عمقاً في المستقبل، إذ لم يعد ممكناً المحافظة على الوضع التقليدي للمرأة السعودية، ولا يمكن أن تكتمل نهضة السعودية من دون مشاركة فاعلة للمرأة. لننتظر ونرَ.