المولد والميلاد كلاهما من الجذر الثلاثي ( و ل د) .
ولكن اصْطُلِح عند المعاصرين على إطلاق لفظ المولد على ذكرى ولادة النبيّ الأعظم سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم)، أما الميلاد فيُشار به الى ذكرى ولادة المسيح سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام.
وتقول العرب : وَلَدَت المرأَةُ تَلِدُ وِلاَداً ووِلاَدَةً بكسْرِهما وإِنما أَطْلقَهما اعتمادا على الشُّهْرةِ ولكن في قاموس المِصْباح المنير للفيومي قال: أَن كَسْرَهما أَفْصَحُ مِن فَتْحِهما وهذا يَدُلُّ على أَن الفتحَ قَوْلٌ فيهما وإِلاَدَةً أُبدِلتِ الواوُ همزةً وهو قِيَاس عند جَمَاعَةٍ من أهل اللغة في الهَمْزَةِ المَكْسُورة كإِشَاحٍ وإشكافٍ قاله شيخُ إمام اللغة الزبيدي، صاحب التاج . ولِدَةً ومَوْلِداً كِعدَةٍ ومَوْعِدٍ ، أَمَّا الأَوَّل فهو القياسُ في كُلِّ مِثَالٍ كما سبق وأَما الثاني فهو أَيضاً مَقِيسٌ في بابِ المِثَال . وما جــــــاءَ بالفَتْح فهو على خِلافِ القِياسِ. وفي المحكم : وَلَدَتْه أُمُّه وِلاَدَةً وإِلادَةً على البَدَلِ فهي والِدٌ على النَّسب وهي وَالِدَةٌ على الفِعْلِ (حكاه ثَعْلَبٌ في المرْأَةِ ) وكُلّ حامِلٍ تَلِدُ ، ويقال لأُمِّ الرجُلِ : هذه والِدَةٌ. ولنلاحظ عدم فصاحة لفظ الميلاد !
ومن المعلوم في الحسابات الفلكية لدى المسلمين أنَّ رسول الله سيدنا محمدا ً بن عبد الله بن هاشم ( صلى الله عليه وسلم)، قد وُلِد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل ، وصار الناس يسمون ربيعا الأول بالأنور ، إشارة إلى أنوار النبوّة المباركة التي رافقت المولد الشريف .
وقيل : إنما كانت ولادته في الحادي والعشرين من ربيع الأول. والله أعلم.
وأيّاً كان التاريخ فهناك أخوة لا يهمهم هذا بقدر ما يهمهم الترصد لمن يذكر المولد فيمطروه بعبارة (بدعة و اخواتها) او مبتدع و اشباهها , و نحن نعرض عنهم مؤكدين ان الأصل هو الاباحة في الاحتفال بالمولد ,و البدعة امر يتعلق بالعبادات و تعني اختلاق عبادة جديدة و هو غير موجود هنا.
أما الميلاد، فهو في الحسابات الافرنجية (الغريغوريّــة) تمَّ في الخامس والعشرين من الشهر الثاني عشر ( كانون أول/ ديسمبر )، وعليه يجري التأريخ في أغلب بقاع الكون، ويسمى التاريخ الشمسي أو الغربي أو الغريغوري أو النصراني المسيحي، ومنهم من يقول بل الميلاد المجيد تمَّ في أول شهر كانون الثاني (يناير)
وبناء على الحسابين القمري الهجري لدى المسلمين، والغربي الشمسي لدى الغربيين فان ذكرى المولد تتكرر كل ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوما، بينما تتكرر الشمسية كل ثلاثمئة وخمسة وستين يوما ، والفرق بين الحسابين هوعشرة أيام و إحدى عشرة ساعة و دقيقة واحدة ، و كل من السنتين تكون بسيطة و كبيسة. لذلك فشهر شباط يأتي كل أربع سنوات تسعاً وعشرين يوماً. والأشهر العربية تكون ثلاثين يوما أو تسعة و عشرين يوماً للسبب نفسه. أما الأشهر الشمسية فعدَّة أيام كلٍّ منها معلوم ، وكنت أحفظ عن سيدي الوالد أبياتا ً من الشعر تحدد ذلك وهي:
ذا تشرينــكم الثاني *** كأيــلـــولٍ ونيســـان
ثلاثون ثلاثـــــــــون*** أتت بعد حزيـــــرانِ
شباط خُصَّ بالنقص*** وذاك النقص يومان
وباقيها ثلاثــــــــون*** ويـومٌ واحــــــدٌ دانِ
وبذلك يكون في كل (33) سنة فرق (358) يوماً وكسور أو ما يقارب السنة. لذلك تزيد كل مئة سنة ثلاث سنوات و تكون الثلاثمائة سنة الشمسية يقابلها (309) قمرية، وهذا ذكره القرآن الكريم في معرض سورة الكهف، ونعتبره إعجازا علميا عدديا لا يدانيه شكّ، ولا يشكك به إلا الحمقى والموتورون، قال تعالى: (( ولبثوا في كهفهم ثلاثمئةٍ سنينَ وازدادوا تسعا)) الكهف/ 25 .
وثبت أن كلَّ ثلاثمئة سنة شمسية تعادل ثلاثمئة وتسع سنوات قمرية بالضبط.
وكنا ونحن طلاب في المدارس نسجل على جبين السبورة التاريخَيْن، فنكتب :
يوم الأربعاء 21/3/ 1374 هـ الموافق لـِ 16 / 11/ 1954 (مثلا).
وكان التاريخ الهجري بدأ في العهد العمري متخذا من حدث الهجرة نقطة البداية، وكان قد اقترح بعض الصحابة البدء بمولد النبيّ الأعظم، وهو ما فعله بعد قرون من ذلك السفيه الليبي الراحل.
كانت السنة الأولى الهجرية تعادل وتوافق سنة 622 ميلادية.
واليوم نحن في سنة 1437 هـ وتوافق سنة 2016 م.
كان الفارق بين التاريخين أول عام هو(621) نقطة بينما تقلص هذا الفرق بأيامنا إلى(579) نقطة، فالفرق بينهما تقلّص إلى اثنتين وأربعين نقطة !!!
فبعد كم من السنين يتطابق الحسابان القمري والشمسي؟
سوف يتم ذلك حسابيا ً في سنة (19954) تسعة عشر ألفاً وتسعمئة وأربع وخمسين، وفي هذه السنة سنكون بغنى عن كتابة الرمز الهجري أو الميلادي، فيُكْتفى بذكر هذه السنة رقما ً فقط، لأنها تعني بآنٍ واحد السنة القمرية الهجرية والسنة الشمسية الميلادية.
وفي هذه السنة الحالية التي نعيشها(2015/ 2016م ) تقارب التاريخان الهجري والميلادي، فيحتفل العالم العربي بشقيه المسلم والنصراني بالمولد والميلاد معــا ً ( عناق الهلال مع الإنجيل):
المولد الشريف في الثاني عشر من ربيع الأول 1437هـ (23/ 12/ 2015) .
والميلاد المجيد في الخامس والعشرين من كانون الثاني الموافق 14/3/ 1437هـ .... فهل هذا مؤشر وشيك على روح التسامح بين الشريعتين الإسلامية والنصرانية وتقاربهما في تبني المنهج السليم ومحاربة الإلحاد والإرهاب العالمي والأمراض المستعصية، والتعاون لبناء الحضارة الإنسانية الماجدة بمفرداتها ورموزهـــا النبيلـــة ،،،، والله الموفق .