ماذا يعني بأن هناك مقولات ظرفية لها بيئتها وزمانها التي لا تستطيع أن تتجاوزه.. وإن تجاوزته ربما شلت حياة من يتبناها؟!
الإجابة على هذا السؤال قد تتعدد، بين إجابة لها أفق واسع ونظرة مستقبلية، وإجابة تقارب هذا التساؤل على استحياء، وذلك لحساسية السؤال عند البعض من نقد المقولة التي أصحبت جزءا من ثقافته وموروثه، أي هي قد تبدو بمعنى آخر سلوكا اعتاد عليها، ولهذا ليس من السهل عليك أن تقول له إن سلوكا أصبح خارج التاريخ.!، أو أنك تفعل ليس ما هو ضد مستقبلك فقط، بل ما يجعل من حاضرك في حالة هي أقرب لشلل، منها للحركة الطبيعية.
ولكن هل صحيح أن سلوك بعض من مجتمعاتنا، ومن ثم ثقافته لم تتغير برغم تغير الزمن والبيئة؟!
الواقع يقول إن مجتمعاتنا تخلصت من بعض العادات والأعراف والتقاليد، التي شكلت في زمن ما ثقافة وسلوكا تعيشه كواقع مسلم به، إلى ما هو منسجم مع البيئة وواقع الحياة الجديدة.
ولكن كيف حصل هذا؟
حصل هذا إن جاز القول بصورة قسرية وأحيانا سريعة بأكثر من المتوقع، وخارجة في كثير من الأحيان عن إرادة المجتمع، الممثلة بالعرف والتقليد التي عدت جزءا من خصوصيته، وإن كان بشكل نسبي ومحدود، وذلك لأن هذه العادات والتقاليد والأعراف، شكلت عبئا على حياة الفرد في المجتمع، برغم ما كان يمثله بعض منها كخصوصية و"قيم" يتمسك بها أفراد المجتمع، ولكن اليوم في الواقع الجديد أصبحت خارج التاريخ، فعلى سبيل المثال: لم يعد العرف الذي يحجر على المرأة في مجتمعنا، ومن ثم يجعل حركتها لا تتجاوز منزل أبيها أو زوجها ويمنعها بذلك من حق التعليم بحجة العيب، قبل أكثر من خمسين عاما، عرفا معمولا به أو مستساغا اليوم؛ ليس لأنه فقط غير عملي، بل تبعاته السلبية على المجتمع كارثية، فتصور نصف المجتمع، الممثل بالمرأة اليوم أمي، أو بالكاد يجيد قراءة الأحرف، ما الآثار الخطيرة التي سوف تترتب على ذلك.؟!.
أظن إجابة هذا السؤال لا تحتاج إلى كثير قول؛ لأن المجتمع أجاب عليه اليوم بالمساحة المتاحة للمرأة في مجال التعليم، ومن أراد أن يقع على بعض ما حققته المرأة السعودية في المجال العلمي أدعوه أن يقرأ التقرير الذي نشره الصحافي فهد سعود على موقع -العربية نت- عن إنجازات المرأة السعودية فقط بين عام 2000م إلى عام 2009م، وهو تقرير قيم جدا، ودليل على التغيير "الكبير" الذي حصل في المجتمع تجاه المرأة.
ما معنى هذا؟، معناه أن عدنا لإجابة السؤال الأول، أن الإنسان يتغير، ويغير البعض من عاداته وسلوكه، التي مثلت ثقافة حياتية، إلى ما هو ثقافة وسلوك أكثر حضارية وفهم للواقع المتغير، والسؤال الذي قد يقفز إلى ذهنك الآن بسرعة الضوء.!!، لماذا مجتمعاتنا العربية لم تراكم عملية التغيير هذه، وتجعل منها أشبه بالسلوك الاعتيادي، بدل من أن تتمسك بالكثير من المقولات التي باتت فعلا خارج التاريخ.
لأن التغيير الحضاري والجوهري في حياة أي مجتمع، يحتاج إلى فعل نابع من الإرادة أولا، وثانيا حينما نشعر بأن هذا السلوك أو العرف، أو المنهج الذي نسير عليه، والمناقض للوعي المفطور عليه الإنسان الطبيعي الباحث عن الكمال، أصبح عاملا مكلفا وغير محتمل، حينها قد تكون بداية لعملية تغير فعل حضاري حقيقي في المجتمع، فلا أظن غالبية الجيل الذي كان قبل قرابة الستين عاما والممانع لتعليم المرأة، لم يكن يعي بأن تعليم المرأة، مكسب قيم للمرأة وللمجتمع، ولكن بسبب سيطرة ثقافة العرف والعيب غير المبرر تحديدا حالت بأن تجعل من ذلك الجيل لأن يعمل بما يعي.