شكّلت مشارَكة فاتن حرب (40 عامًا) بإحدى الدورات التدريبية في المركز الفلسطيني للديمقراطية وحل النزاعات في غزة لحظة فارقة في حياتها، أهّلتها لأن تصبح أول "مختارة" في القطاع المكتظ بالسكان والمعروفين بعاداتهم وتقاليدهم المحافظة.
وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها حرب في بداية عملها، إلا أنها استطاعت بقوتها وإرادتها أن تُغيَّر رأي الكثيرين من حولها، بعد أن أسهمت في حل العديد من المشاكل لنساء وجدْن صعوبة في تقبل الواقع المر الذي يعشنه مع أزواجهن.
وتُصر حرب، التي تمكنت من الحصول على هذا اللقب قبل ثلاث سنوات، على إكمال عملها كمختارة رغم معارضة أقاربها في البداية للعمل في هذا المجال، خاصة أن هذا اللقب لا يمثل إلا الرجال في مجتمع غزي محافظ.
ولقب المختار في قطاع غزة شبيه بـ"العمدة" في مصر، يطلق على شخص –كبير في السن غالبًا- من الأعيان يتم اختياره من عائلته لتسهيل أمور العائلة في حل الخلافات والمنازعات والمشاكل التي قد تقع بينهم وبين عائلات أخرى.
ويتم اعتماد المختار من دائرة شؤون المخاتير التابعة لوزارة الحكم المحلي، وبموجب هذا الاعتماد يمكن له التوقيع على الشهادات والمستندات التي يطلب منه توقيعها بشرط ألا تتعارض مع عمل المؤسسات والدوائر الحكومية.
وتقول حرب، التي بدت واثقة من نفسها : "واجهتُ الكثير من الصعوبات وردود الفعل السيئة والسلبية، أولها رفض المخاتير الاعتراف بي؛ لأنني امرأة معتقدين أنني لا أستطيع مواجهة المشاكل التي تتعلق في هذا الجانب".
ورغم العادات السائدة بالمجتمع الفلسطيني عامة، وفي غزة على وجه الخصوص، من عدم تقبل فكرة التغيير والوساطة من النساء، إلا أن حرب استطاعت أن تثبت العكس بعد خوضها عدة تجارب ناجحة.
وتضيف حرب، التي ساعدت في حل خلافات كبيرة على صعيد الميراث والحضانة وغيرها من الملفات الخاصة بالنساء: "ما جعلني أُصرُّ أكثر على عملي، هو افتقاد غزة لهذا النوع من التخصص، فكثير من النساء تضيع حقوقهن لأنهن لا يستطعن الحديث عنها أمام الرجال".
تمكنت حرب من استخدام العديد من الطرق ساعدتها على إقناع أطراف الخلاف بحل المشاكل بصورة ودية، وهذا ما زاد من ثقتها بنفسها، وساعدها بشكل كبير على إكمال العمل بقوة، بل وتقبل كثير من الرجال لعملها.
وتابعت حديثها: "الآن وبعد ثلاثة أعوام على عملي، استطعت أن ألقى قبولًا كبيرًا من المجتمع، وتمكنت من حل قضايا مختلفة في موضوع الميراث وفي حضانة الأولاد والطلاق، وغيرها من المشاكل التي تواجهها النساء بشكل يومي في مجتمعنا".
حرب تمكنت من الحصول على امتيازات كثيرة ساعدتها في حل المشاكل، ورغم ذلك ما زال الكثير من المخاتير في غزة يرفضون إطلاق اسم "مختارة" عليها، ويفضلون تسميتها بالمصلحة الاجتماعية أو النفسية رغم أنها تقوم بأداء المخاتير ذاته.
وترى حرب بأن عمل المختارة في غزة يحتاج إلى مميزات عدة، أهمها قوة الشخصية وسعة الصدر والثقافة العلمية والقدرة على الوساطة بين أطراف النزاع.
وتؤكد أن عددًا قليلًا من النساء الغزّيات يتمنين الحصول على هذه المهنة، لما يواجهنه من صعوبة فيها، فهي تحتاج إلى نَفَسٍ طويلٍ وهذه الميزة غير متوفرة لدى أغلب النساء.
السيدة الأربعينية حازت على إعجاب كل من حولها، حتى الرئيس الفلسطيني محمود عباس أثنى على عملها وجهودها، وشدد على أن المرأة الفلسطينية تحصل على حقوقها في المجالات كافة، وهي صاحبة قضية وموقف واضح.
وتتمنى المختارة حرب أن تُحل جميع المشاكل التي تعصف بالمجتمع الغزي، والتي تفاقمت بشكل كبير في ظل الحروب الإسرائيلية الثلاث التي شنت على القطاع في غضون 6 سنوات، وما خلفته من مآسٍ ومشاكل.