المرأة عورة وعار، والرجل ستر وشرف، وستر الرجل يكسو عورة المرأة، وشرف الرجل يطهر عار المرأة، هذا هو العرف والعقد المخزون في مكنون العقل الباطن عند شريحة كبيرة من بني البشر، وهذا العقل الباطن هو أس اللاشعور الذي يتسم بالخوارق في الأفعال وردود الأفعال، لا في الفكر والتأمل والتأني في كشف العلل والأسباب وتشخيص المشاكل والقضايا ورسم الخطط والحلول بما يحفظ الحقوق والكرامة بالتساوي والعدل بين الرجل والمرأة.
معادلة المرأة والرجل بموازاة العار والشرف ترسم الكاتبة الروائية التركية إليف شافاك خيوطها الحمراء والبيضاء، وعناصرها الملوثة والطاهرة، في رواية مطولة تزيد على الخمسمائة صفحة تحت عنوان «شرف»، العنوان «شرف» هو التعبير الموفق عن بؤرة القوة الكامنة في لا شعور الرجل الرافض لطهارة المرأة في اصلها، وهنا تكمن القضية - المأساة في «شرفية» الرجل في أصله و«عارية» المرأة في اصلها على هوى التقليد المغروس في اللاشعور.
الرواية تتنقل بالقارئ بين ضفاف نهر الفرات في إحدى القرى الكردية ومدينة لندن، فالتنقل بين مستويين من الحضارة والتحضر، حيث البون بينهما شاسع واسع يسع قروناً من الزمان، القرية الكردية مازالت تعيش محبوسة في سجن تقاليد بابها شرف الرجل وقضبانها عار المرأة، الحياة في هذه القرية لا تجيز للمرأة أن تختار شريك حياتها واذا ما فشلت في تجربة الاختيار أو حاولت الاختيار، بنفسها ولنفسها، فان دمها هو الذي يطهر شرف الرجل في العائلة، ورغم أن عدداً من أعضاء عائلة في هذه القرية قررت العيش في لندن عاصمة النور والتنوير وحرية المرأة إلا أن قوة التقاليد بقت في اللاشعور بثبات وفاعلية، ففي القرية الكردية، على ضفاف نهر الفرات، يقرر الأب غسل عار ابنته بقتلها، وفي لندن يقرر الابن طعن أمه بالسكين لانها على علاقة برجل غريب بينما الأب هارب من البيت مع امرأة غريبة، معادلة المرأة والرجل بموازاة العار والشرف نفسها، لا ضير ولا عار أن يهرب الأب ويهجر زوجته ويترك كامل أسرته في عهدة الام ويعيش في أحضان امرأة غريبة، ولكن لا يحق للمرأة العورة والعار أن تلتقي برجل غريب، وهي تعيش تحت كامل الضغوط الطبيعية والاجتماعية والنفسية، علها تنفس عن بعض من تلك الضغوط، هذه الأم لا خيار لها إلا صون شرف الأب الهارب وهو في احضان امرأة اخرى، ولا يحق لها أن تختار حياة جديدة مع رجل تختاره ويختارها، خيارها الحر يقتضي قتلها على يد ابنها وبتشجيع من عمه وصديقه وشخص من قومه تعرف عليه عرضيا، الكل يرى ضرورة غسل العار بقتل الأم للمحافظة على شرف العائلة وشرف الأب الهارب من مسؤولياته، هذه الام التي تحملت أعباء اطفالها وتلبية حاجياتهم وأخذت تعمل لكسب لقمة العيش لابنائها وتدبر شؤون البيت وحدها، كل هذه المناقب والفضائل لم تشفع لها أمام أفراد اسرتها ولا أمام ابنها البكر الذي كان ابنها المفضل، فكان جزاؤها من ابنها البكر أن اقدم على طعنها - الحبك في القصة أن الابن البكر يطعن خالته ظناً منه أنها أمه، ومادامت النية هي قتل الأم فإن قتله لخالته هو قتل لأمه.
وبين الجريمتين، قتل الأب لابنته وقتل الابن لامه، هناك شريحة من الأحداث التي تتمازج فيها عارية المرأة مع شرفية الرجل بمحصلة يرفع فيها الرجل رأسه شرفاً على أنقاض المرأة التي سحقت ودفنت مع رفيق أصلها العار، وهكذا تكون مروءة الذكورية الفجة قد تحققت وأتت أكلها ضد الأنوثة في حقها الطبيعي والاجتماعي والنفسي والذاتي.
فإلى متى سيبقى بون القرون شاسعاً بين أمثال القرية على ضفاف نهر الفرات وأمثال المدينة على جانبي نهر التايمز (لندن)؟!