الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

نساء مصر إلى طوابير الإستفتاء مجدداً

  • 1/2
  • 2/2

نتائج الاستفتاءات واتجاهات الاختيارات قد لا تكون شافية أو كافية، لكنها بالطبع مؤشرة ومؤثرة. والمرأة حين تستفتى، تستفتي قلبها الذي يحرّكه عقلها، وحين تتشتت اختيارات المرأة المصرية وتتفتت وتتكسر وتتشعب حتى يصعب تكوين اتجاهات أو تأكيد توجهات أو حتى استشفاف أفضليات، فإن هذا يعني أن المجتمع برمته، الذي تحمله المرأة على كتفيها، بات مشتتاً فاقداً التحديد باحثاً عن بوصلة.
بوصلة المرأة المصرية في 2014 تبدأ بدستور بات قاب قوسين أو أدنى من الاستحقاق، وهي البوصلة التي يعتمد عليها ساسة مصر ونخبتها ومتأسلميها ومنتفعيها والهادفين والرامين إلى جني الأرباح وتحقيق الغايات. ولأن الأعوام الثلاثة الماضية في تاريخ مصر أثبتت إن الحشد السياسي والانتخابي ذو وجه أنثوي، حيث تجيّش النساء ويُحشدن ويدفع بهن إلى طوابير الاستفتاء والانتخاب، سواء بدافع الوطنية، أو بسبب العصبية، أو تحت وطأة الفقر والجهل والعوز حيث عبوات الشاي والسكر والزيت في مقابل صوت لهذا أو ذاك، أو تصويت بـ «نعم» أو «لا».
وعلى رغم تراكم خبرات الأعوام الثلاثة الماضية من عمر اصطفاف النساء في طوابير الاستفتاء وحشود الانتخاب وتحديداً منذ هبت «زعابيب الربيع المصري» في كانون الثاني (يناير) 2011، إلا أنه في كل مرة تحشد فيها النساء وتجيّش السيدات كانت الغاية معروفة والنتيجة محددة. فمرة تتوجه أم حسين وأم محمد وأم شيماء لنصرة الدين وإعلاء الشريعة وضمان مكان في الجنة، والحصول على مخزون شهر من السلع الغذائية، ومرة تتوجه شريهان وبريهان ونورهان أملاً في مصر خالية من الجهل منزوعة الفقر منقّحة الأمراض.
ومرة تخرج «مدام سوسن» والحاجة هنية والآنسة بهية بحثاً لنساء مصر عن مخرج من دوائرهن المغلقة حيث «سبع صنائع والبخت ضائع» من مسؤوليات أسرية وواجبات تربوية وحاجات زوجية ومهام عملية في مقابل حفنة قليلة من الجنيهات تتبدد يميناً في حاجات البيت ويساراً في دروس الأولاد.
هذه المرة ستتوجه نساء مصر مجدداً إلى لجان الاستفتاء ليصطففن ويحتشدن على رغم أنف التهديدات وبغض النظر عن النتائج. فدستور 2012 المعدّل والاستفتاء عليه يمثل لهن الخطوة الفعلية الأولى للخروج من دائرة الانتظار القاتل الذي لا يكسر صمته سوى قنبلة بدائية هنا وسيارة مفخخة هناك ومسيرة إخوانية «سلمية» تضيع فيها الأرواح وتخرب فيها الممتلكات هنا وهناك.
طوق نجاة
تقول «مدام نيرمين» (مهندسة) إنها لم تقرأ الدستور – عكس ما فعلت مع دستور الإخوان في 2012 الذي قرأته وفنّدته وحللته ثم قالت «لا. لم يعد الدستور وثيقة نقرأها ونكوّن رأياً حولها ثم نتوجه إلى اللجنة الانتخابية لنقول نعم أو لا، لقد بات الدستور في كانون الثاني 2013 طوق نجاة لإنقاذ مصر من براثن الإخوان والجماعات والدول المتحالفة معهم لإسقاط مصر. سأقول نعم إنقاذاً لمصر. وبعدها سنصلح الأخطاء ونصوب السقطات».
أبرز سقطات الإخوان الذي هيمنت على أبوابه النسائية وحقوقه الإنسانية نماذج إخوانية من أمثال السيدة عزة الجرف وغيرها من الكوادر الإخوانية التي ترى في الأخت من الجماعة النموذج الوحيد والهدف الأكيد لكل نساء مصر. ومن ثم فإن إيمان (الطالبة في إحدى الجامعات الخاصة) وصديقاتها عاقدات العزم على التوجه إلى لجانهن الانتخابية للتصويت بـ «نعم»، «لأن أي دستور غير دستور الإخوان رحمة»، على حدّ تعبيرها.
إيمان التي لم تهتم بالسياسة يوماً، والتي تدور تفاصيل حياتها حول أسرتها وصديقاتها ودراستها للهندسة والتخطيط لمستقبلها استيقظت ذات يوم في حزيران (يونيو) الماضي على مصر غير تلك التي عرفتها حيث مظاهر الدولة الدينية وملامح الحكم الثيوقراطي ومعالم هوية غير تلك التي تعرفها. تقول: «الذي أعرفه هو إن الحال يسير من سيء إلى أسوأ ومن فقر إلى جوع منذ حكاية يناير. وبحسب ما فهمت من التلفزيون فإن الطريقة الوحيدة لننقذ أنفسنا هي الوقوف في الطوابير منتصف يناير، وهذا ما سأفعله لأنني لا أملك من أمري سوى ذلك». أم علي عاملة النظافة في أحد النوادي الرياضية ستدلي بصوتها مجدداً، لكنها لا تتذكر لصالح من أو من أجل ماذا فعلت ذلك سابقاً! وموقفها الراهن من الدستور هو إنها ستتوجه إلى اللجنة الانتخابية لأنها وأسرتها بدأت تدخل مرحلة الجوع بعد سنوات من الفقر.
فقر الطموحات وسيطرة الإحباط التي باتت سمة من سمات المصريين هذه الأيام تتجلى على وجوه نساء مصر وتبدو واضحة وضوح الشمس في كلماتهن ومواقفهن التي لا يجمع بينها سوى القرف والرغبة في الخلاص، سواء كان بتخليص مصر من قبضة الجماعات الدينية والمضي قدماً إلى مصر البهية، أو بتخليصها من قبضة الفقر والمضي قدماً إلى مصر التي تأمل بلحم ودجاج إلى جانب الفول والفلافل.
وتظل هناك نساء مصريات أصواتهن لا تسمع إلا في المسيرات «السلمية» وأخبارهن لا تعرف إلا بمقاطع مصورة حيث التخريب والتدمير في جامعة الأزهر أو الاعتداء بالسبّ والضرب على كل من هبّ ودبّ في تظاهرات «الشرعية». موقفهن من الاستفتاء على الدستور غير معروف وغير محدد وغير معلن، لأنهن لا يملكن رأياً حراً أو موقفاً مستقلاً أو غاية محددة باستثناء ما تمليه عليهن قيادات الجماعة. فلو صدرت الأوامر بأن يستفتين بـ «لا» سيفعلن، وإن أمرن بالمقاطعة فسيمتثلن، وإن طلب منهن التوجه إلى اللجان وإثارة الفوضى والفزع فسينفذن.
هكذا تقف نساء مصر على مفترق طرق، وهكذا يتعاملن مع دستور بلادهن إما كطوق نجاة يخلصهن مما هن فيه، أو كوسيلة من وسائل الجهاد وطريقة من طرق هدم الدولة الكافرة في سبيل بناء الخلافة التي طال انتظارها.
وكان الانـتـظار قد طـال لـمعرفة نـتيـجة اسـتـفـتاء أجـراه «مركز الـقاهـرة للـتنـمـية وحقـوق الإنـسان» لاختيار الشخصيات الأكثر تأثيراً في وضع المرأة المصرية سلباً وإيجاباً. وقد أجمعت الأصوات واتفقت الاتجاهات على اختيار وزير الإعلام الإخواني السابق صلاح عبد المقصود باعتباره الأكثر تأثيراً سـلبـاً على المرأة المصرية في 2013، وهو الوزير الملقب بـ «الوزير المتحرّش». وقد اشتهر بإهانة الصحافيات والإعلاميات أثناء المؤتمرات واللقاءات الصحافية، ما أعتبر إهانة لكل المصريات. وتنافست معه على الـلقب كـل مـن السـيدة عـزة الجرف، والدكـتورة باكيـنام الـشـرقاوي المستشار السياسي للرئيس المخلوع الدكتور محمد مرسي. الطريف أن لقب «الأكثر تأثيراً في المرأة المصرية إيجاباً» حجب نظراً لاختلاف الآراء التي لم تصل إلى النصاب المطلوب.
نتيجة التصويت هي انعكاس لتوجهات المرأة المصرية في الاستفتاء على الدستور، «نعم» لأسباب عدة لا تتعلق بالدستور نفسه مع توحّد الغاية على درء خطر الإخوان.

الحياة

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى