رُشق الأطفال بحضن أمهاتهنّ بالرصاص والقنابل، وشُردوا من دفئ بيوتهم، وكُبّلوا حول جثامين ذويهم .. صوراً ومقاطع فيديو انتشرت على صفحاتنا لأكثر الظروف قسوةً وبؤساً، مَناظرَ اعتدنا رؤيتها وأصبحت أكثر من عادية. لكن أن نرى الأطفال يذوبون جوعاً فلا زاداً تزخر به بطونهم ولا نداوةً تبتل بها حلوقهم، فهذا أكثر صعوبة من الموتِ بحدّ ذاته.
كم تحمّلت الأمهات رؤية أطفالهنّ في أشرس الأيام تُصاحبهم أشباحُ السياسيين وأثامة السُلطات، تَلحقُ بهم، تُحاصرهم.. فإما موتاً حتمياً أو عذاباً أبدياً. الأمّ السورية في العام الماضي حطّمت جميع مقاييس التحمل والصبر، يوم جرت بأطفالها وألقتهم في بحر التشرد هرباً من من موتٍ إلى موت، ويوم أطعمت أطفالها أوراقَ أشجار الزيتون المسمومة وابتعلت معهم بعضها فكانت أقرب إلى الموتِ منهم.
كلّ مسؤول عن مضايا مُجرم، وكل صَامت عن مضايا شيطان. مأساة تذكرنا بِأخرى، بأطفالِ اليرموك وشيوخها.. فلا نامت أعين الجبناء. كلما تذكرت أطفال مضايا الجياع تمرّ بي كلمات الشاعر أحمد مطر..
"فمشى الموت أمامي، ومشى الموت ورائي، لكن قامت بين الموت وبين الموت حياة إبائي، وتمشيت برغم الموت على أشلائي، أشدو، وفمي جرح ، والكلمات دمائي..
في زمن الأحياء الموتى ، تنقلب الأكفان دفاتر ، والأكباد محابر، والشعر يسد الأبواب، فلا شعراء سوى الشهداء"
اللهمّ إنا نستودعكَ أهلَ مضايا يا من لا تضيعُ عنده الودائع، بأطفالها ونسائِها ورِجالها وشُيوخها، فاحفظها من كل سوء، أحيِ أرضها وأنبت زرعها وأنقذ أهلها.. برحمتك يا أرحم الراحمين.