لم يتم جملته الأولى التي ابتدءها قائلا: إننا نعيش في عالم متلون... حتى قام الجمع الذي حظر مناظرته، أستغرب ذلك!! إلا أن عدد من أصابع اليد الواحدة واعلام فقير مصور جعله يسترسل في طرح نفسه لهم...
ابتسم لتلك الوجوه مردفا: يبدو ان الزمن فعلا قد تغير، فالكثير منا يبحث عن أنصاف الحلول، تماما كأنصاف الوجوه التي لا زلنا نلبسها، التي يعاب عليها أنها بلونين فقط، ابيض وأسود، تلكم الألوان التي طفقنا نتخذها زيا رسميا موحدا.. بعكس معانيها، فالمعلوم للجميع ان الابيض هو لبس الملائكة، والاسود لبس الشياطين، لكنا وبعد ان أنهالت عليها الألوان الأخرى بمختلف وارداتها من مشكلات في كسب عادات قشورية، مجردة من القيم الحقيقية لمعنى اللون وقدرته على إضفاء ذلك المعنى، سواء بغيرة او حب أو مرض أو سعادة ... الخ من المعاني، إلا أنا تمسكنا بالألوان السيادية كما نسميها، فأغلبنا اتخذها شعارا لغاية، فبات الاسود يعكس الطهر والسمو والنبل، صفات لا يمكن ان يحملها سوى من تنزه بإرادة إلاهية، وكوننا نمثل ما يعيب!؟ لبسناها زيفا مُقَنَعا، فحتى وجوهننا بتنا نصبغها بالاسود والابيض، حسب الوجهة والاتجاه الذي ننضوي تحت شعارها، الى أن صار السواد رمزا نتخذه في مراحل كثيرة من الحراك الزماني والمكاني، فتقلبات الوضع ألزمت الكثير بأن يكون بلباس أسود، فقط ليعكس ما يتصوره الآخرين من بياض في نفسه، ويميل الى التحدث بعبارات تمس الوجع والوتر الهش بداخلنا، ألا وهو وازع الدين، فتراه يحمل من غرابيل الدهور جمل يوظفها بصيغ مقلوبة المعنى ليصدقها من أرتشف الحرمان عن سماعها سنون عتمة... تيه وضياع في سرابيل منتة، يزكم ذكرها من تنشق عبير الحرية بدخان جثث أحرقت بمزاج ملون...
اخوتي الحضور..
قد يكون كلامي صعب الإدراك، لكننا في زمن التورية، لذا علينا ان نتخذ من بين السطور المعاني التي أرجو ان تصلكم، كوننا في زمن القتل الصامت سلعة رائجة، أدرك جيدا انكم على دراية بما أعني، كونكم تلبسون السواء من الرأس حتى أخمص القدم، وهذا إن دل فإنما يدل على أجهاضكم للألوان الأخرى قسرا، والتي يمكن ان تحيي الأنسان الحقيقي الذي يريد ان يعيش بحرية، ليلبس ما يؤهله لأن يكون فاعلا في مجتمع خرطت كل قوانينه بتأسلم كاذب، وهذا يعني أن اللون الابيض الذي يتوشحه الجانب الآخر، أيضا يحمل بداخله السواد القاتم على جديد المتغيرات، كونها همشته وأطاحت بأمبراطورية الدكتاتورية الرعناء... فبعد ان تحزموا وتحزبوا لدرء كل نفحات الحياة التي يمكن ان تمر ولو سهوا، عابرة في يوم من زمن الى سجل محرم، يطلق عليها الرصاص كونها هاربة عن معالجة الأصول الدنيوية الحقيقية لعنوان إلهي، مُسَلم ان يكون يحمل بطياته رسالة محمدية، وسؤال اطرحه عليكم إن وددتم المشاركة في الرأي؟ لماذا الازدواجية في حياة مشتركة بين عالمين مختلفين؟ هل لأن السلطة والسيادة تتطلب ذلك؟ أم لأنها موروث قَبَلي صدأ جاء بشكل متطور ملون؟
كانت أصابع اليد التي تجلس متفرقة عن بعضها البعض، تختلس فيما بينها النظرات، كلٌ يريد للآخر ان يكون هو الباديء في المشاركة... والنتيجة انه لم يفعلها أيا منهم، لذا أردف مبتسما... هذا تماما ما أعنيه، بل وما توقعته... فكلنا نخاف المبادرة والجهر بالحقيقة، كوننا محسوبين على مسميات قد لا نُعَبر عن رؤيتهم ورأيهم، لكن بالضرورة نمثلهم ولو بالقليل من المعرفة التي نحملها انعكاسا لمضامين الغذاء الذي بتنا نأكله من أطباق الولائم حتى التخمة، تلك التي توضع في أفواه همها ان تلوك دون تسأل عن حلال وحرام، هذا هو بالضبط الذي أريد ان أقوله... فبأي حق استطيع ان أقيم الرأي المضاد للحقيقة؟ هل بما أحمله من فكر كله نفاق وبهتان وفساد؟ فأنا أمثله بما ألبسه على الجسد، وأختزله في العقل، مما يجعلني أتسيد بذلك على من يخالفني في العقيدة والرأي، إذن لابد من أن ذلك يجعلني ليس على تماس مع من يخالفني، بل أنا معه في مسار متوازي.. وهذا يعني أننا لا نلتقي ابدا، إلا من خلال نقاط التقاطع، التي تتبعثر عنوة في طريق ومقدرات بشر، وذاك من خلال نثرها قرابين دنيوية لإختلاف في اماطة ونزع رؤى اللون الاسود والابيض... فمن يلبس الابيض يظن نفسه ملاكا يمشي على الارض، يرى السواد شيطانا أمرد، فيُنَزِه ويُكَفِر من لا يمقته، إلا لأنه لا يلبس البياض الدنيوي، أما من يلبس الأسود ينظر لسواده انه اسوة برموز كان لها دور مختلف في إحقاق حق وعدل سماوي، إلا انه اتخذه غطاء لموبقات اللباس الابيض، فعمد الإثنان الى نثر حبوب الفكر المتناحر بين فكي صخرتي الرحى، لتسحق من يظن أنه سهم في جعبة عدل سماوي ودنيوي، فالجميع ينادي بعبارة الاسلام.. الله أكبر .. وهو الله وهو اكبر.. دون الحاجة بأن ينادوه، فلقد تركهم يعمهون كونهم احجار جهنم مصيرها البعثرة والنسيان... فالنار وقودها الناس والحجارة
إننا يا سادتي الحضور بحاجة الى نبي جديد، قد يحسبني البعض أني أخرف، لكنا بالفعل نحن بحاجة لمن يحيي المعنى الحقيقي للذات الإنسانية، التي لاشك اننا ساهمنا كلنا بقتلها حين كتبنا رسائل بعهود للمؤازة والوقوف في وجه الظلم، كما لا أظن ان النبي الجديد سيكون قادرا على هضم نصفي رياء اللونيين، بعد أن باعا الله مذ أطلقوا الذقون ولبسوا الاحزمة الناسفة، ومثلهم فعل المقابل بالضرب على الصدور والرؤوس بُدعاً لعقول ذات فطرة ببدع مقتبس ديني ممن نصبوا الشراك لتصيد من يروجها حبا لتفرقة، الى جانب الادعاء بالفجور من أجل الظهور.. هكذا سُيسنا وقَلدنا من أرادوا للقيم ان تشوه.. فترى عبدة النار يتسيدون بكل خزعبلات يبتدعونها ثم يلقوها لنا، والواقفون على جدار المبكى يصنعون السياسة التي تشعرهم بأنهم شعب الله المختار وغيرهم يورث الجنة ضعاف العقول بموتهم المزعوم، وفتاوى مرتزقة كان أولى أن يفعلها من فتى بها.. والغريب اننا نتلقفها كالدجاج لحبات الرمان حتى وإن كانت عفنة.. إنها النهاية ما لم نتخذ من رحمة الله سبيلا، نعم أصدقكم القول... أني جئت اليوم أقف بينكم، لأقول للذين خرجوا وتركوا آذانهم تسمع، أني أنكر كل ما تفعلون، سأعمل على كشف الحقيقة بما أحمله من أفكار معتدلة ودلائل تثبت أن الارض يرثها عباد الله الصالحين وحسب قياسات إنسانية، هذا إذا كان مقدر لي ان أخرج من بينكم.. فكما أشعر أني لا استطيع، لذا ألقوا بأيديكم الى التهلكة وانزعو اللثام، اطلقوا عاهات فكركم اخمادا لصوت يحمل بعض الحقيقة عن وجوه سوداء وبيضاء، بل انصاف وجوه...
ثارت زوبعة هرج ومرج..من دخان وشظايا لحوم متطايرة... إلا ان القدرة الإلهية شاءت ان يكون من الناجين... وها هو يقف على منصة أخرى يعيد نفس الحديث على وجوه لبست الألوان المختلفة بشكل حضاري، لأنها تنظر الى العالم بحرية مبرمجة بعيدة عن تكنلوجيا دول العالم الاسلامي، حسبها دول متخلفة تعيش اللونين الأسود والابيض.