نحن جيل فتحنا أعيننا على الأمن والأمان، فتحنا أعيننا على الاستقرار وكل هذه النعم، لم نعان شظف العيش، لم ينغزنا الجوع في أي يوم من أيام حياتنا، لم نذق طعم الألم، لم تلفحنا شمس الصحراء الحارقة ولا شمس البحر الملتهبة، لم توجع قلوبنا الأمراض والآهات، ولم نعرف معنى النوم ملتحفي الفاقة والفقر، كما لم ندرك معنى الصبر وطول البال وحسن الخلق.
فتحنا أعيننا على استقرار عظيم، وعلى تطور حضاري كبير. فتحنا أعيننا على مدارس متطورة ومستشفيات ومراكز علاج هائلة، فتحنا أعيننا على الأطباء يزوروننا في المدارس لتلقيحنا ضد الأمراض والأوبئة، ولا نعلم كم مات من الآباء والأجداد بسبب الجدري والحصبة والطاعون. نخرج لنمرح على شواطئ البحر، ونمارس هواياتنا البحرية لكننا لا نعلم كم ضحى الآباء والأجداد وكم بذلوا من حياتهم وعرقهم لإحضار لقمة العيش من مياه البحر المالحة. نخرج للبر الذي تحول لمزارع وينابيع وآبار، نستظل بالنخلة ولا نعرف كم من الآباء والأجداد سقوها بعرقهم، وكم ينام تحت ثراها من الأضداد رحلوا هماً وجوعاً.
فتحنا أعيننا على حياة النعيم والرخاء .. ولا أحد منا يسأل كيف تحقق هذا؟ كيف وصلنا لهذا؟ كيف كان التاريخ؟ كيف كان الآباء والأجداد؟ لا أحد من جيلنا والأجيال التالية يعلم الملحمة التي خاضها الآباء والأجداد من أجل أن ننعم بكل هذه الحياة وبكل هذا التطور ورغد العيش. من يعلمْ ينسَ، أوأنه لا يريد التذكر..
أسوق هذه الكلمات، عندما تلفحني كلمات على مواقع التواصل الاجتماعي لأطفال في تفكيرهم – أجسام البغال وأحلام العصافير- عندما تشاهد كلمات أولئك تذهل لهذا الكم من تسطيح الأمور، من تبسيط كل هذه الإنجازات وكأنها لا شيء. لكن ما يوجع قلبك كل هذا الفهم البسيط من بعض أبنائنا لقصور تفكيرهم وتواضع معرفتهم بوطنهم، لكنني متأكدة من أن المعدن الثمين الأصيل سيظهر في آخر المطاف، لكن المذهل بحق أن تجد من ارتوى من حليب هذه الأرض وخيرها يساهم في محاولة طعنها، ولكن هيهات له ولمليون على شاكلته.
يذهلك أنهم يسكنون بيننا ويطعنون اللقمة السائغة الكريمة التي روت شظف حياتهم ونمت في أجسادهم .. ومرة أخرى وكما قالت الدكتورة سعاد الصباح «قدر العظيم أن يظل عظيماً، قدر الكبير أن يكون كبيراً» .. لك الله أيها الوطن العظيم .. وللآباء الرحمة والمغفرة.