الدستور التونسي الجديد يُطبخ على نار حامية هذه الأيام، في إطار إعادة صياغته، فقريبا سيتمّ عرضه للتصويت أمام نواب المجلس التأسيسي للمصادقة نهائيا عليه. ولقد تمّ الحسم في بعض القضايا التي كانت محلّ تجاذبات بين نواب حزب النهضة الحاكم ونواب المعارضة، منها مسألة المساواة بين المرأة والرجل التي بقيت محل نقاش لمدة طويلة بعد محاولة تعريفها كمُكمِّلة للرجل في الدستور، ليتمّ التوافق على الفصل 20 ونصّه :"المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات الحقوق والحريات الفردية والعامة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم"
" وكالة أخبار المرأة " حاولت استقراء الفصل 20 من خلال طرح سؤالين على أربعة من نساء تونس المنخرطات في الحياة الحزبية أو المجتمع المدني، السؤال الأول "ما الذي سيضيفه الفصل 20 من الدستور الجديد لمكتسبات المرأة التونسية؟"، أما الثاني فكان:"هل سيفرض هذا الفصل نفسه دون أي تلاعب حزبي بعد الانتخابات؟ خاصة إذا كانت الغلبة فيها لحزب ذي خلفية دينية؟"
ألفة الغرايري، عضو مكتب رابطة حزب الوطد بولاية نابل، مكلفة بشوون المرأة حاولت قراءة الفصل شكلا ومضمونا، لتحليله بشكل أعمق، فأجابتنا: "شكليا، أرى أنه فصل يقدم صيغة المذكر على المؤنث بأن يبدأ بالمواطنين أولا ثم المواطنات، ثمّ لم يستعمل كلمة رجال ونساء، كذلك لم ينصص على كلمة الجنس، كما أن كلمة تمييز كانت خالية من كلمة جنسي أي أنها كانت مبهمة بمعنى أن التمييز ليس له أساس إلا في رأس المشرع. نلاحظ أيضا غياب كلمة واجبات، بأن تضمن الدولة الحقوق فقط للمواطنين بدون حرف لام في كلمة مواطنات كأنه حق مذكر فقط. أما مضمونا فأنا أراه فصل مبهم بالنسبة إلى ما تعنيه منزلة المرأة التونسية جنبا لجنب مع الرجل ولما انتظرته من هذا الدستور. الأكيد أنّه موجّه لمصلحة حزبية، فحركة النهضة لا تقدم تنازلات وتتراجع إلا لكسب مصلحة معينة، ولعل الانتخابات هي وجهتها القادمة خاصة وأنها عرفت ما معنى أن تضمن لنفسها الخروج من المآزق وبالأخص بعد إصدار الدستور، وانتهاء تحالف الترويكا الحاكمة بعد انتخابات 23 أكتوبر الماضية."
بالنسبة إلى السؤال الثاني، كان ردّ ألفة كالتالي :"الكل يعلم أن الرجال هم القوامون وأن الميز بين المرأة والرجل أمر بديهي، لكن، قد يلعب حزب النهضة بخلفيته الاسلامية على شيطنة عمل المرأة، وقد يبررون البطالة بكثرة العاملات وقد يمرون للمدارس وعدم استيعاب طاقتها للجنسيين وبالتالي هي عقلية ستخير تسبقة الرجل على المرأة وقد نجد نساء تدعوا لهذا ما دامه أمر ديني، حسب نظرة الأحزاب الدينية طبعا."
فتحية السعيدي، عضو المكتب التنفيذي لحزب المسار الديمقراطي الاجتماعي، قامت بتحليل الفصل من منظور تخصصها كأستاذة في علم الاجتماع، فتقول :"المساواة بين النساء والرجال والقضاء على كافة أشكال التمييز مسألة ستظل محل جدل عميق ليس في المجلس الوطني التأسيسي فقط بل في المجتمع أيضا، لأن المساواة تتجاوز كونها مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان إلى ثقافة كاملة تتحكم بالسلوكيات والممارسات وتغير الصور النمطية في العلاقة بين الجنسين وتنظر للمرأة كذات لا كموضوع للذة والجنس. وهذه مسألة ما زال يلزمها وقت حتى تتغير التمثلات الاجتماعية تدريجيا في اتجاه استبطان قيم وثقافة الحقوق الإنسانية للنساء كما جاءت في المواثيق والعهود الدولية وكما تم اقرارها في مؤتمر فيانا 1993 وفي مؤتمر بيجين 1995 وغيرها من المؤتمرات الدولية الأخرى."
وتضيف فتحية في إجابتها عن السؤال الثاني :"على أية حال، المصادقة على الفصل 20 وان أقر المساواة بين المواطنات والمواطنين في الحقوق والواجبات إلاّ أنه قد تمّ رفض مقترح المعارضة التي طالبت بإضافة "دون تمييز على أساس الجنس أو العرق أو اللون" إقرارا لما جاء في المواثيق الدولية. ولئن تمّ تبني التعديل الذي أضافته المعارضة في الفصل 33 ويقول: "تضمن الدولة لكل المواطنات والمواطنين حق الانتخاب والترشح والاقتراع، فهي تعمل على ضمان تمثلية النساء في الهيئات المنتخبة" وهذه الجملة الأخيرة التي أضافتها المعارضة بعد جدل كبير حول "تضمن الدولة" وفي هذا الزام لها بضمان تمثيلية النساء في الهيئات التمثيلية وبين "تعمل الدولة على ضمان" وهذا يعني أن الدولة تعمل على ضمان هذه التمثلية من خلال قوانين عادية تصدر عن البرلمان الذي يمكن أن يصادق أو لا يصادق على هكذا قوانين. ومع هذا يظل هذا الفصل أيضا، ضمان طفيف لإقرار كوتا للنساء أو إقرار التناصف كما حدث في المرسوم الذي نظم الانتخابات في 23 اكتوبر 2011. وحسب رأيي، إذا تمّ الاتفاق على الفصل 45 الذي يقر مبدأ تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في جميع المجالات فإن هذا الفصل الأخير سيعطي قوّة قانونية للفصلين 20 و33. ومن المعلوم أن القوانين تسهم بدرجة كبيرة في تغيير العقليات ولكني أعتقد اعتقادا راسخا بأنه ما لم يتم ترجمة هذه القوانين في مستوى الممارسات والسلوكيات الاجتماعية وما لم تقم الدولة بنشر ثقافة حقوق النساء فإن فعل التمييز سيظل يحكم العلاقة بين الجنسين خاصة في مجتمع متغير ومتحول كمجتمعاتنا العربية الإسلامية التي ما زالت تتأرجح بين ما ترسخ من الموروث الاجتماعي وبين الثقافة المدنية والحقوقية."
ماجدة الظاهري، رئيسة حركة النساء قادمات في تونس، ترى أن النص منقوص فتقول :"الفصل 20 من الدستور المتمثل في المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات بدون تمييز يبدو نصا منقوصا، والإضافة التي يمكن أن يقدمها للمرأة التونسية في هذا الوضع التي تتعالى فيه الأصوات المنادية بالتراجع عن المكتسبات التي حققتها، تتمثل في أن الرجوع إلى الوراء لا سبيل إليه، وما ينتظر المرأة من أجل إرساء مساواة تامة وفعلية ما زال يتطلب جهودا كثيرة." أما بالنسبة إلى السؤال الثاني فهي أن :"هامش التلاعب موجود ولا يمكن أن نستغربه بل يجب توقعه لكن يمكن ان يحول دون ذلك يقظة المجتمع المدني وحرص الجمعيات النسائية على عدم التفريط في المكاسب وتطويرها والسعي إلى تغيير العقلية الذكورية وعلى تغيير الصورة الدونية للمرأة انطلاقا من أطفالنا."
أما حياة حمدي، عضو المجلس القيادي للجبهة الشعبية وعضو المكتب السياسي لحزب الطليعة العربي الديمقراطي، فلقد قامت بتحليل دقيق للفصل هو التالي:
"عند قراءة هذا الفصل لا يمكن إلا الاعتراف بقيمته، إذ يكاد يكون فصلا فريدا في المجال الحقوقي في كامل العالم العربي. لذلك يمكنني القول أنه يشكل لحظة فارقة في تاريخ نضال النساء التونسيات من أجل نيل حقوقهن وإليهن يعود الفضل في إقرار هذا الفصل. ولذلك أغتنم هذه المناسبة لأحييهن وأحيي جهدهن المتواصل من أجل دسترة حقوق النساء، وقد أتى هذا الفصل ثمرة لنضالاتهن المتواصلة منذ عقود من الزمن. ولئن كانت الفضيلة الأولى لهذا الفصل هي القطع نهائيا مع أسطورة " التكامل" التي حاولت كتلة الأغلبية بنسائها ورجالها تمريرها في الدستور في تناغم تام في نظرهم مع اعتبار الشريعة أساسا للدستور ومن ثم التراجع عنهما معا تحت ضغط المعارضة والمجتمع المدني. إلا ان الفصل يظل مشوبا ببعض النقائص الهامة والتي لا تقل أهمية عما جاء في هذا الفصل وهي:
1- أن هذا الفصل "خجول" فكأنه "يخجل من الحديث عن المساواة بين النساء والرجال فيسخدم عبارة المواطنين والمواطنات، وهذا يفترض أن شروط المواطنة قد تحققت بعد. كما أننا لسنا على يقين من أن بقية الفصول ضامنة لها.
2- الإقرار بالمساواة في الواجبات وإن كان في بعض وجوهه إيجابيا، إلا أن استخدامه في غير معناه الحقيقي يمكن أن تكون له نتائج عكسية على النساء، خاصة إن انحسر دورهن في إطار الاسرة تربية وإعالة.
3- ضمان المساواة "أمام" القانون يجعل منها مساواة شكلية، حيث أنها تقتصر على ضمانها إذا مثلت المرأة والرجل أمام القضاء، وبذلك تغيب المساواة الحقيقية أو الواقعية، أي المساواة بالقانون أو "في" القانون par la loi وألاحظ هنا أن هذا الفصل لم يستجب للمقترحات المقدمة، سواء تلك التي قدمتها جمعية النساء الديمقرطيات، أو التي قدمتها ورشة حقوق النساء ضمن مؤتمر مناهضة العنف والإرهاب الذي نظمه المعهد العربي لحقوق الانسان، وكنت شخصيا عضوة ومقررة الورشة.
4- عبارة "دون تمييز" يغيب فيها التفصيل فلم تذكر ضروب التمييز في العرق واللغة والدين واللون والجنس والرأي فترك "التمييز" مطلقا، يكشف عن خوف من تفصيل القول فيه.
5- يلاحظ أيضا غموض عبارة العيش الكريم ودور الدولة في توفير أسبابه، إذ يمكن أن تظل هذه العبارات الفضفاضة محل تقدير وتأويل ذاتيين.
بالنسبة إلى السؤال الثاني، ترى حياة حمدي أنه "يجد تبريرا له، إذ أن غموض العبارات وعدم تسمية الأشياء بأسمائها يمكن أن يترك للأحزاب الدينية خاصة مجالا للتأويل والتلاعب والتهرب من الاعتراف بحقوق المرأة وبحقوق الانسان كإنسان دون تمييز في الرأي السياسي وفي اللون والجنس والمعتقد، بما يفقد هذا الفصل جملة من المزايا التي يفترض أن تكون له لولا محاولة بعض الأطراف التي تخيفها حرية المرأة، والتي لا تزال تشكك في انسانية المرأة "إرسال الذئب في العبارة".
تونس مازالت تعيش غليانا سياسيا، واليوم استقالت حكومة علي العريض لتسريع المسار الديمقراطي في البلاد، حتى المصادقة رسميا على دستور جديد للدولة وتحديد نهائي لموعد الانتخابات. المرأة في هذا الظرف مازالت تنتظر الكثير من القانون التونسي، وقد تصطدم بالكثير من المفاجآت أيضا. بانتظار تأسيس دولة غير مؤقّتة في تونس، يبقى المشهد غير واضح تماما.