يذهلك عندما تسمع من هو في مقتبل العمر، يتذمر من الحياة، وقد تزداد دهشتك عندما تعلم أنه يعيش في رغد من العيش بفضل أبيه وأمه اللذين يكدحان من أجل توفير لقمة العيش الرغيدة له ولأشقائه.
ولعل أكثر من يتورط بمثل هذه الشكوى، وأقصد الشكوى من الحياة، هم من يعيشون في سن المراهقة، هؤلاء لو قدر ودرست حالتهم ستكتشف أنهم جميعاً يربط بينهم رابط جوهري وواحد شديد الوضوح، وهو أنهم لم يخوضوا أي تجربة حياتية، أو لم تعطَ لهم أي مسؤوليات، بل إنهم يعيشون حياة مادية بعيدة تماماً عن أي ضغوط أو موترات، فالذي يطالبهم به ذووهم هو الاستذكار ثم الاستذكار، أما كل ما يطلبه الأبناء يجدونه متحققاً أمامهم.
بعد مثل هذه الحماية من الأبوين، وبعد هذا الروتين الحياتي، تجدهم يتذمرون ويعبسون، ويشعرون بالقلق والهم، السبب ببساطة متناهية أنهم أوجدوا لأنفسهم همومهم الذاتية الخاصة بهم، يريدون أن يشعروا أنهم على درجة من الأهمية، وأنهم يفهمون الحياة، فيخترعون الهموم ويوجدون المشاكل.
ولو أن الأبوين خففا من السيطرة والحماية المبالغ فيها، ومنحا هؤلاء المراهقين فرصة للتعبير عن ذواتهم، وفرصة للتجربة والمغامرة، والاحتكاك بالناس، ليدركوا عندها معنى الحياة الحقيقية، ومعنى الهموم الحقيقية، ومعنى البؤس الإنساني الحقيقي.
هي رسالة أوجهها لكل أب ولكل أم، عوّدوا صغاركم تعظيم النعمة التي يعيشون فيها، ذكروهم دوماً بمعنى العمل، ومعنى الاجتهاد، بل بمعنى الجدية في كل حياتهم، اعطوهم أمثلة من الواقع عن الفقر والعوز، وأيضاً أوكلوا لهم مهمات ووظائف منزلية واجتماعية، لا تبالغوا في الحماية والدفاع عنهم وعن أخطائهم، بل اسمحوا لهم بالخطأ، فالأخطاء هي المعين الذي سيفيدهم ويقويهم.