كتبت قبل أسابيع عمودين، أحدهما كان عن استغلال التدين لاصطياد النساء، والثاني عن اصطياد المطلقات، وهالني حجم التفاعل الذي سببه الموضوعان لدى الناس، سواء في الموقع الإلكتروني للصحيفة أو من المكالمات التي وردتني أو «الإيميلات» التي وصلت إلى بريدي الإلكتروني.
العديد من الاتصالات التي وردتني، رجالاً ونساءً، تحدثت عن تجارب مريرة عاشوها بسبب استغلال (بعض)، وهنا أكرر ألف مرة، (بعض) رجال الدين أو المتدينين إلى مشاكل أسرية بين الزوجين أو للمطلقات من أجل اصطيادهن، وخراب بيوت أسر وشتات الأبناء من أجل إشباع غرائزهم وشهواتهم، مع لفت الانتباه إلى أن كل الحكايا التي سمعتها تظل قصصاً غير مكتملة لأنها تأتي من طرف واحد، وقد لا تمثل إلا نصف الحقيقة أو جانباً منها.
وما أود الحديث عنه اليوم، هو الصورة المقلوبة لما كتبته، فقد شد انتباهي عدة اتصالات تلقيتها من عدد من رجال الدين أو المتدينين، تجمع على أن الموضوعين المشار إليهما لا يمثلان الحقيقة بالضرورة، وإنما هناك جانب آخر، يكمن في أن بعض النساء يلجأن إلى اصطياد رجال الدين أو غيرهم لأسباب شتى، بعضها يتعلق بالإشباع العاطفي، والآخر يريد الانتقام من زواج فاشل أو من زوج خائن أو مستبد وقاسٍ.
خلاصة ما سمعته من هؤلاء، أن النساء لسن بريئات أيضاً، بعضهن «تحبل» إلى الرجل من أجل اصطياده، وبعضهن ينجذبن إلى الرجل الذي يقف معهن في محنتهن سواء بسبب طلاق أو مشاكل زوجية أو خيانات من أزواجهن، وبحكم أن رجال الدين لهم دورهم الاجتماعي في الإصلاح في القضايا الأسرية، فإنهم يكونون عادة صيداً إلى بعض النساء الراغبات في الإشباع العاطفي أو النفسي أو حتى الجنسي.
والمحصلة في هذا الموضوع، هو أنني لا أصطف إزاء هذا القول لا مؤيداً ولا رافضاً، وإنما أطرقه لأفتح نافذة للنقاش حوله باعتباره قضية مجتمعية يسكت المجتمع عادة عن الحديث عنها.
قبل أيام، قرأت باهتمام مقالاً لرئيس تحرير «الوسط» منصور الجمري، عنوانه «الفيل في الغرفة»،(Elephant in the room) ، وهي عبارة إنجليزية مجازية، تعني أن هناك حقيقة واضحة يتم تجاهلها أو عدم معالجتها وتنطبق تلك العبارة المجازية أيضاً على مشكلة أو خطر حقيقي حاصل ولا أحد يريد التحدث فيه.
وترتكز الفكرة على أن هناك فيل في الغرفة من المستحيل التغافل عنه وبالتالي فإن الأشخاص الموجودين بالغرفة والذين يتظاهرون بعدم وجود الفيل اختاروا عدم التعامل مع أو حل تلك المشكلة الكبيرة التي تلوح بالأفق.
هذه العبارة تصيب عين الحقيقة في مجتمعنا البحريني، وغيره طبعاً من المجتمعات، هناك قضايا خاطئة بحجم الفيل في غرفة صغيرة، ولكن المجتمع يغض الطرف عنها، ما يجعلها تنمو وتكبر دون أي عوائق توقفها، وتجعل البعض يتمادى فيها لأنه يعرف أن أحداً لن يتحدث عنها أو حتى يناقشها أو يوقفها.
وهذا الأمر ينطبق كذلك على المشكلات الأسرية الكبيرة التي بدلاً من أن يلجأ الأطراف المعنيون بها رجالاً ونساءً، لفتحها للحوار العقلاني لحلها، فتراهم يغضون الطرف عنها ويسكتون عن مناقشتها والسعي لإصلاحها، وقد يكون ذلك متاحاً وبسيطاً بتفهم الطرفين واعترافهما بوجودها، وبدلاً عن ذلك يلجئون إلى الخيانة والخداع للتعويض أو الانتقام، وفي المحصلة يكون الجميع خاسراً، لأن هدم أي أسرة لا يوجد فيه رابح واحد!