أن تكوني امرأة معناه أنك نصف المجتمع، التي تنجب النصف الآخر، مما يجعل منك المجتمع كله.. باختصار. إنك المعنى الجميل في هذه الحياة، التي لو تخيلناها بدونك لوجدناها قاحلة، جافة من الأحاسيس.. إنك الضلع الذي يحمي القلب من ضربات الزمن، ويحمل هموم الحياة بدل الرجل، زوجا كان أو ابنا.
دائما ما نسمع أن مجتمعاتنا العربية ذكوريّة، وأن الرجال يحكمونها بقوة، مضطهدين النساء، لكن هل هذا صحيح ؟ وهل فعلا نساؤنا مسلوبات الإرادة، مهضومات الحقوق ؟ أظننا نحتاج إلى تقصي الحقيقة بدقة أكبر، حتى لا نظلم الرجل بحكم غير مبني على دلائل حية، وحتى لا نصنف المرأة في خانة الضعف، ونلونها بصفة الضحية.. فلربما كانت أقوى.
لإصدار الحكم النهائي، يجب البدء بتصنيف النساء كل حسب توجهها وأفكارها، فقط بهذه الكيفية سنتمكن من التعرف على خبايا أنفسهن، ونزيد على ذلك محيطها وتربيتها وتعليمها.. إنها عوامل كثيرة سيكون لها الدور الأساسي للتوصل، إلى الجواب الشافي الذي سيشبع غرور فضولنا.
النساء أنواع، منهن المثقفات المتعلمات، ومنهن الجاهلات الخاضعات، ولكن السؤال المهم في كل هذا، هو ما نوعية الثقافة التي اكتسبنها، وما صنف الجهل الذي غرقن في وحله ؟ فلكل نوع صفة وجواب.
أحيانا، لا يكفي التعليم الأبجدي للحصول على مستويات عالية من الثقافة، ولا يعني أن تكون المرأة أمية أبجديا، لتكون جاهلة.. بل قد نرى الكثيرات من حولنا ممن حصلن على درجات عالية من التعليم، ولكن عقولهن فارغة، مبرمجة فكريا للدعوة إلى مطالب غير منطقية، وغير مشروعة، وهن يعتقدن بسذاجة بأنها حقوقهن، ولا يعلمن خطورة ما آلت إليه أحوالهن، ولا يدركن حجم المؤامرة التي حيكت لهن، بل وجعلتهن المدافعات عنها بكل شراسة.. أما النساء اللواتي لم يحالفهن الحظ للتعلم، فقد تجد بعضهن، جاهلات لما يجري حولهن، أي نعم، لكنهن لا يصرفن أوقاتهن وأصواتهن على المطالبة بحقوق وهمية، فتجدهن بذلك محايدات، مسالمات، لا يسببون إزعاجا لأي طرف من أطراف المجتمع.
لكن، لا يمكن طبعا أن نتجاهل تلك الفئة المغمورة من نساء مجتمعاتنا، التي مازالت تتصرف بمنطق العرف والتقاليد، والتي مازالت في عصر التكنولوجيا الحديثة، تتشبث بعادات قديمة، لا يحكمها أحيانا منطق أو دين، بل وتجدها تشبه تلك المثقفة التي تسمي نفسها مناضلة، فتشاركها نفس الصفة، ولكن عكسيا.. فبينما تجد الأخرى تدعو إلى التحرر والاستقلال، تجدها هي خاضعة مستسلمة، تدافع باستماتة عن عبوديتها.
تنوع النساء، ولد تنوعا في أفكار الرجال، بين متشدد ورجعي، ومتحرر مدافع عن تحرير النساء، وعقلاني متوازن استطاع أن يميز بين الحقوق الأصلية للمرأة، والمفتعلة التي غشاها الزيف، وأعطيت قيمة أكبر من قيمتها، وما هذا وذاك إلا تربية نساء مجتمعاتنا، بكل أصنافهن، اللواتي هن في الأصل تربية رجال ونساء يشبهونهن.. والأجيال تكرر نفسها في تواتر وتوارث.
أيتها الحقوقية، توقفي عن المطالبة بحقوق المرأة، فما هذه إلا تفاهة خلقها البعض لإلهاء النساء عن أدوارهن في المجتمع، والتي لا تقل عن أدوار الرجال، بل وتفوقهن أهمية أحيانا.. فحقوقك خلقت معك.. خذيها فحسب، وعيشي بها، ولا تطلبيها من أحد.. فهي لك منذ أول الزمان.. أما ما أقنعوك بأنها حقوقك، فما هي إلا محاولة منهم لتجريدك من أنوثتك، وحيائك وقيمتك الثمينة.. ويكفيك أن تُعملي عقلك للحظات وستكتشفين الحقيقة التي غابت عنك.. ومرريها لأولادك وبَنَاتِك، لعلك تصنعين المستقبل المشرق الذي لطالما حلمنا به.
أيتها المرأة التي تظن أن الرجل سيد، يجب أن يستمتع بكل ما هو جميل، والمرأة خادمته التي عليها أن تقتات على الفتات الذي يخلفه، وعليها أن تحمد الله وتشكره على ذلك.. أنت بأفكارك تلك تنتجين جيلا متغطرسا من الذكور، ونساءا خاضعات للرجال، ومتغطرسات مع من تخالفهن من بنات جنسهن.. فتجدهن كثيرات التذمر والانتقاد، لا يعجبهن العجب.. فلا العزباء تعجبهن ولا المتعلمة ولا المثقفة التي تدعو إلى التخلص من هذه العبودية.. بالله عليك توقفي عن ذلك، فأنت تخربين المجتمع بجهلك، وحاولي أن تتقني فن الاستماع، فقد يشفق عليك الزمن يوما وتفهمين.. وحتى إن لم ترغبي بالتغيير، فلا داعي لأن تزعجي الأخريات بأفكارك المتخلفة.
التنوع في الأفكار والمعتقدات، وتشبت كل واحد بما تربى عليه، ورفضه أن يفكر بعقله، هو السبب الأول في الصراع القائم بين الحضارات والأجيال وهو وقود الحرب بين الجنسين.. وكأن ما يؤمنون به سماوي مقدس، وما هو في الحقيقة إلا وليد ثقافات وحضارات متعاقبة، وخليط غير متجانس بين ماهو حق وما هو باطل.
يمكننا إذن أن نستنتج أن المجتمعات الذكورية، ليست من صنع ذكوري محض، بل هي منتوج تعاون بين الجنسين المتشاركين لنفس الأفكار، فهي في البداية وفي النهاية، نتيجة أفكار محرّفة وأسباب لإنتاج نفس الأفكار مرة ثانية، مما يخلق صراعا أبديا يكرر نفسه.
كوني ذكية بما يكفي، ولا تنجرفي مع التيارات الكثيرة التي تحيط بك من كل جانب، كوني ثابتة كالصخرة، ثقي بنفسك وقدراتك، واعلمي أنك باستقلالك فكريا ستكونين سيدة نفسك وسيدة المجتمع، فلا تكترثي لمن يلومك لأنك عزباء، أو لأنك متزوجة ولم تنجبي بعد، ولا لأنك تعملين وتحاولين تحقيق نفسك، فلن يرضوا عنك أبدا، إما حسدا أو بسبب تخلف في المعتقدات، أو فقط لأنك تخالفينهم الرأي والتوجه.
حاولي أن تكوني مميزة، وأن تعاشري المميزين.. كوني قدوة صالحة واقتادي بالصالحين، ولا تنسي أنك خلقت لهدف أسمى من أن تقضي حياتك في مواجهة هذا وتلك، والدفاع عن نفسك أمامهم، فهم لن يقتنعوا بكلامك، بل حاولي أن تقنعيهم بنجاحك الذي لن يتحقق إلا إذا ركزت نظرك إلى الأمام، وسرت في طريقك دون أن تلتفتي.