أحس بأني هرمتُ بعد أن فقدتُ جدي الأخير، انتهى زمنُ الطفولةِ والدلال، ذبلت الدالية وأُطفئت الأنوار في البيت الذي لطالما كان مفتوحا لنا، فهل انتهت الحكاية؟
جدي تبكيك الأرضُ بأسرها فيا فرحة السماء بلقياك، سلامٌ عليك يا أطيب البشر، وعلى روحك الطاهرة ألفَ سلام. يا من ببسمته تُفرج الهموم وتستلقي النجومُ في عينيه لِتضيئ سهراتنا، ألف حكاية فيها، في كل نظرة لمحة سريعة من ماضٍ مجيد، وفي كل نظرة حنان ودفءٌ للأحفاد الطوافين حوله، وفي كل نظرة رسالة حب كُتبت دون أوراق. جدّي حمدان.. كنت وما أكثر ما كنت.. لعائلتك بيتاً، ولأمتك خيراً وفي وجه الباطل سيفاً. جدّي حمدان.. لماذا أصبح النُّطق باسمك مؤلماً فجأة، لماذا أصبحتْ الأيامُ بلا ذكرى بلا وطن. جدّي.. كُنت أغلى ما في الوطن، كُنت سماء الوطن وأرضها، زعترها وزيتونها، بعلمها وكل ألوانها، فما حاجتنا للوطن الآن، هل هنا تقف الحكاية؟
رُزقتَ الذرية فأحسنت التربية وكنت القدوة الحسنة والجدّ العطوف، أُعطيت فأجزلت العطاء ولم تقف عند حدود مقدرتك بل وأكرمت بسماحة مبسم، أحببتَ فعادت إليك المحبة أضعافا.. لا لن تنتهي بك الحكاية أبداً.
لا تَعجبوا ان تغيرت ملامحي، وتغير معكم في الحديث صوت حنجرتي، لا تَعجبوا من خُفوتٍ قد يُرافق نظر أعيني، لا تعجبوا مني فلقد فقدت اليوم جدي.. قُل للذاكرة كيف تبقيك في أنحائها، قُل للعمر كيف يستقي للآخرة، قُل للآمان ما بقي منك سِوى الخيال، يا آخر الأجداد وآخر الأمجاد يا قمراً في رحيله عمّ الظلام، ما قَسى جرحٌ على قلبي كما قسوتَ اليوم برحيلك، يا أول الحكايات وآخر الحكايات و كل الحكايات.
لجدي عصاً خشبية يتكئ عليها، حلمت بها واستيقظت أبحثُ عنها، اتركوها لي، أَورِثونِي إياها. يكفيني أن أُمسك موضِع قبضةِ جدّي حتى أُحسَّ به، حتى أعلم بأنها لم تنته الحكاية.. سأُبقِي ذكراك في قِصص العصا، لتستبد بالموجود وتطغى على حواس الوجود، لتكون معي أنت وما أنت بموجود.. رحمك الله جدي الغالي وأسكنك فسيح جناته، وأبدلك داراً خيراً من دارنا وأهلاً خيراً منا.